للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقال له: إنَّ إجابتك عن غير ما تُسأل عنه، واحتجاجك له هو الدليل على عجْزك، وعلى أنَّه لا حجةَ لك. إنَّا لم نسألك عن الوقت الذي استشهدهم الله فيه وقال لهم (١): {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} فأجابوه بأن {قَالُوا بَلَى}، هل كانوا عارفين في ذلك الوقت أم لا؟ إنَّما سألناك عن وقت سقوطهم من بطون أمَّهاتهم، هل عندك حجةٌ تُثبِت أنَّهم في ذلك الوقت عارفون؟

فإن قال: إنَّ ثبوت المعرفة لهم في ذلك الوقت دليل على أنَّهم وُلِدوا على ذلك، فهم في وقت الولادة على ما كانوا عليه قبل ذلك.

قيل له: فقد كانوا في ذلك الوقت مُقِرِّين أيضًا، وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ أخبر أنَّه قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، والله عزَّ وجلَّ لا يخاطب إلا من يفهم عند المخاطبة، ولا يُجيب إلا مَن فهم السؤال، فإجابتهم إيَّاه بقولهم دليل على أنَّهم قد فهموا عن الله وعقلوا عنه استشهادَه إياهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}، فأجابوه مِن بعد عقلهم للمخاطبة وفهمهم لها (٢) بأن {قَالُوا بَلَى}، فأقرُّوا له بالربوبية. فيقال له: فهكذا نقول: إنَّ الطفل إذا سقَطَ من بطن أمِّه فهو من ساعته يَفهَم المخاطبةَ إن خُوطِب ويُجيب عنها، ويُقرُّ له بالربوبية كإقرار الذين أقرُّوا له بالربوبية في الوقت الذي أخذ عليهم الميثاق! فإن قال: نعم، كابَرَ عقلَه وأَكذَبه العيان. وإن قال: لا أقول ذلك، [و] فرَّقَ بين الوقتين، فجعل حالهم في وقت الولادة خلافَ حالهم في الوقت الأول عند أخذ


(١) في الأصل: «له»، تصحيف.
(٢) في الأصل: «وفهمه لهم»، تصحيف.