للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَشَرًا سَوِيًّا (١٦) قَالَتْ إِنِّيَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (١٧) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِاَهَبَ (١) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: ١٧ - ١٩].

وهذا صريحٌ في إبطال قول من قال: إنَّ هذه الروح التي خاطبها هي روح المسيح (٢)، فإنَّ روح المسيح إنَّما حدثَتْ من تلك النفخة التي نفخها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، وكيف يقول المسيح لأمِّه: {أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ (٣) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}؟ وكيف يكون قوله: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} [الأنبياء: ٩٠] أي: مِن روح ولدها، فتكون روح المسيح هي النافخةَ لنفسها في بطن أمه؟! وهذا قول تَكثُر الدلائل على بطلانه، وإنَّما أشرنا إلى ذلك إشارةً.

فصل

وقالت طائفةٌ أخرى (٤): لم يُرِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر الفطرة هاهنا كفرًا ولا إيمانًا، ولا معرفة ولا إنكارًا. وإنَّما أراد أنَّ كلَّ مولود يُولَد على السلامة


(١) رسمه في الأصل: «ليهب» على لفظ قراءة أبي عمرو، وهي قراءة نافع ويعقوب أيضًا، فإنهم قرأوا بالياء على الغيبة، أي: ليهب لكِ اللهُ؛ ولكن المصاحف جميعها اتفقت على رسمها بالألف بعد اللام وإن كان قد قرئ بالياء في قراءات سبعية كما سبق. انظر: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» (٤/ ٨٢٨) و «النشر» (٢/ ٣١٧).
(٢) هو قول أبي العالية كما سبق (ص ١٣٩ - ١٤٠).
(٣) كذا في الأصل هنا على قراءة الهمزة للمتكلم، خلافًا لقراءة أبي عمرو التي سبقت آنفًا. والظاهر أن المؤلف قصد هذه القراءة بعينها هنا لأنها تبيِّن ضعف هذا القول، إذ كيف يقول روح المسيح: {لأَهَب لك غلامًا زكيًّا}، فيكون الواهب هو الموهوب نفسه؟!
(٤) كما في «درء التعارض» (٨/ ٤٤٢) و «شفاء العليل» (٢/ ٤٤١) نقلًا عن «التمهيد» (١٨/ ٦٩).