للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتاب الله ولا سنَّة رسوله، وغاية ما معهم قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ} الآية، وقد عُلِم أنَّها لا تدلُّ على ذلك.

وأمَّا الأحاديث التي فيها أنَّه أخرجهم مثل الذَّرِّ، فهذا هل هو أشباحهم أو أمثالهم؟ فيه قولان، وليس فيها صريحٌ بأنَّها أرواحهم.

والذي دلَّ عليه القرآن والسنة والاعتبار: أنَّ الأرواح إنَّما خُلِقت مع الأجساد أو بعدها، فإنَّ الله سبحانه خَلَق جسدَ آدم قبل رُوحِه، فلمَّا سوَّاه وأَكمَل خَلْقَه نفخ فيه من رُوحه، فكان تعلُّق الروح به بعد خلق جسده (١).

وكذلك سُنَّته سبحانه في خلق أولاده، كما دلَّ عليه حديث عبد الله بن مسعودٍ المتفق على صحته (٢) قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ خَلْقَ أحدكم يُجمَع في بطن أمِّه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُنفَخ فيه الرُّوح».

وقد غلِط بعض الناس حيث ظَنَّ أنَّ نفخ الروح إرسالُ الروح وبعثُها إليه، وأنَّها كانت موجودةً قبل ذلك، ونفخُها تعلُّقُها به. وليس ذلك مراد الحديث، بل إذا تكامل خلقُ الجنين أرسل الله إليه المَلَك فنفخ فيه نفخةً، فتَحْدُث الرُّوحُ بتلك النفخة، فحينئذ حدثَتْ له الروحُ بواسطة النفخة.

وكذلك كان خلق المسيح: أرسل الله الملكَ إلى أمِّه، فنفخ في فرجها نفخةً فحمَلَت بالمسيح، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا


(١) وقد بحث المؤلف هذه المسألة بالتفصيل في المسألة الثامنة عشرة من «كتاب الروح» (٢/ ٤٥٣ - ٥١٠).
(٢) البخاري (٣٢٠٨) ومسلم (٢٦٤٣)، وقد سبق غير مرة.