للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: انتفاء أحكام الإجارة عنها جميعِها يدلُّ على أنها ليست بأجرةٍ، فلا يُعرَف حكمٌ من أحكام الإجارة في الجزية. وقد تقدَّم أن عمر - رضي الله عنه - أجرى على السائل الذمي رزْقَه من بيت المال، فكيف يكلَّفُ أداءَ الجزية وهو يُرزَق من بيت مال المسلمين؟!

فصل (١)

ولا جزيةَ على شيخٍ فانٍ ولا زَمِنٍ ولا أعمى، ولا مريضٍ لا يُرجى بُرؤه بل قد أَيِسَ من صحته، وإن كانوا موسرين. وهذا مذهب أحمد وأصحابه وأبي حنيفة ومالك والشافعي في أحد قوليه (٢)؛ لأن هؤلاء لا يُقتَلون ولا يُقاتَلون، فلا تجب عليهم الجزية كالنساء والذرِّية.

قال الشافعي في القول الآخر (٣): تجب عليهم الجزية بناءً على أنها أجرة السُّكنى، وأنهم رجالٌ بالغون موسرون، فلا يقيمون في دار الإسلام بغير جزيةٍ. وحديثُ معاذٍ يدلُّ عليه بعمومه، وحديث عمر يتناوله بعمومه أيضًا، فإنه أمر أن تُضْرَب على من جَرتْ عليه المواسي. وإن الجزية إن كانت أجرةً عن سُكنى الدار فظاهرٌ، وإن كانت عقوبةً على الكفر فكذلك أيضًا، فعلى التقديرين: لا يُقَرُّون بغير جزيةٍ.

وأصحاب القول الأول يقولون: لما لم يكن هؤلاء من أهل القتال لم


(١) انظر: "المغني" (١٣/ ٢١٩).
(٢) في المطبوع: "أقواله" خلاف الأصل.
(٣) انظر: "الأم" (٥/ ٦٨٤)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص ٢٢٦).