للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة وجاءت السنة الأخرى، لم يؤخذ منه. وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: تؤخذ منه. فإن مات عند تمام السنة لم تؤخذ منه في قولهم جميعًا.

وعلى هذا فلو كانت تجب بآخر الحول لاستقرَّتْ بمضيِّه، ولم تسقط ولم تتداخل كالزكاة والدية. والجزية وجبت بدلًا عن القتل وعصمة الدم في حقّه، وعوضًا عن النصرة لهم في حقنا، وهذا إنما يكون في المستقبل لا في الماضي؛ لأن القتال إنما يُفعل لحِرابٍ قائمٍ في الحال لا لحِرابٍ ماضٍ، وكذا النصرة في المستقبل لأن الماضي وقعت الغُنية عنه (١).

وسرُّ المسألة أن سبب الجزية قائمٌ في الحال، ويُعطيها على المستقبل شيئًا فشيئًا بحسب احتمال المحلِّ، كتعويض الضربات في الحدود. ولهذا قالوا: تؤخذ كل شهرٍ بقسطه، فإنها لو أُخِّرت حتى دخل العام الثاني سقطت، كما قال محمد في "الجامع" (٢).

وعلى هذا فلا تستقرُّ عليه جزيةٌ أبدًا، ولا سبيلَ إلى أن تؤخذ سلفًا وتعجيلًا، فأُخِذت مفرَّقةً على شهور العام لقيام مقتضٍ، لا (٣) لصدقته من الكفر، وفي الأخذ من الذَّبِّ عنه والنصرة.

وقال محمد في "كتاب الزيادات" (٤) في نصراني مرِضَ السنةَ كلَّها فلم


(١) المصدر نفسه (٢/ ٤٠٣).
(٢) كما تقدم قريبًا.
(٣) "لا" ساقطة من المطبوع.
(٤) ما زال مخطوطًا. انظر: "تاريخ التراث العربي" (١: ٣/ ٥٧).