للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود هنا أن قوله تعالى: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩١] دلَّ به على أنَّ المحاربين لا يرثون المسلمين ولا يُعطَون ديتهم، فإنَّهم كفار والكفار لا يرثون المسلمين. وقد قيل: إنَّ هذا فيمن أسلم ولم يهاجر، فتثبت في حقه العصمة المُؤثِّمة (١) دون المُضَمِّنة كما يقول ذلك أبو حنيفة وغيره.

وقيل: بل فيمن ظنَّه القاتلُ كافرًا وكان مأمورًا بقتله، فسقطت عنه الدية لذلك، كما يقوله الشافعي، وأحمد في أحد القولين.

وهؤلاء يخصون الآية بمن ظاهره الإسلام، وأولئك يخصونها بمن أسلم ولم يهاجر. والآية في المؤمن إذا قتل، وهو من قومٍ عدوٍّ لنا، وهو سبحانه قال: {مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ}، ولم يقل: (من عدوكم)، فدلَّ على أنَّ القتل إذا كان خطأً كمن رمى غَرضًا فأصاب مسلمًا، فإنه لا دية فيه وإن عُلِم أنه مسلم، لأن أهله لا يستحقون الدية، ولا يستحقها المسلمون، ولا بيت المال، فهؤلاء الكفار لا يرثون مثل هذا المسلم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرث الكافر المسلم»، لأنه حربي والمناصرة بينهم منقطعةٌ، فإنهم عدو للمسلمين، والميراث لا يكون مع العداوة الظاهرة، بل مع المناصرة الظاهرة.


(١) غيَّره صبحي الصالح إلى «المورثة» مع علمه بما في الأصل، وأبعد النُّجعة في تفسيرها. والمراد بالعصمة المؤثمة: أنها تؤثِّم من هتكها، أي تجعله آثمًا. والعصمة المضمِّنة: تجعل من هتكها ضامنًا. والمعنى أن مَن أسلم مِن المحاربين ولم يُهاجر فإن قاتِلَه يأثم ولكن لا يَضمن دِيَته. والحنفية يعبِّرون عن المضمنة بـ «المُقوِّمة» لأنها تُقوِّم على مَن هتكها قيمةَ ما أتلفه مِن مال أو نفس. انظر: «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٦٨).