للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عبيد (١): أفلا ترى أن هذه الأحاديث قد تتابعتْ عن أئمة الهدى بإسقاط الجزية عمن أسلم، ولم ينظروا في أول السنة كان ذلك ولا في آخرها، فهو عندنا على أن الإسلام أهدر ما كان قبله، وإنما احتاج الناس إلى هذه الآثار في زمن بني أميَّة، لأنه يُروى عنهم ــ أو عن بعضهم ــ أنهم كانوا يأخذونها منهم وقد أسلموا؛ يذهبون إلى أن الجزية بمنزلة الضرائب على العبيد، يقولون: لا يُسقِط إسلامُ العبد عنه ضريبتَه. ولهذا اختار من اختار (٢) من القرَّاء الخروجَ عليهم.

وقد رُوي عن يزيد بن أبي حبيبٍ ما يُثبِت ما كان من أخْذِهم إياها.

حدثنا عبد الله بن صالحٍ، ثنا حرملة بن عمران، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: أعظمُ ما أتتْ (٣) هذه الأمة بعد نبيِّها ثلاثُ خصالٍ: قتلُهم عثمان بن عفّان، وإحراقُهم الكعبة، وأخْذُهم الجزيةَ من المسلمين (٤).

والجزية وُضِعت في الأصل إذلالًا للكفّار وصَغارًا، فلا تُجامِعُ الإسلامَ بوجهٍ، ولأنها عقوبةٌ فتسقُط بالإسلام، وإذا كان الإسلام يَهدِم ما قبله من الشرك والكفر والمعاصي فكيف لا يهدم ذُلَّ الجزية وصَغارها؟ وإن


(١) في "الأموال" عقب الآثار السابقة.
(٢) في "الأموال": "استجاز من استجاز".
(٣) في الأصل: "كانت". والتصويب من "الأموال".
(٤) "الأموال" (١٣٠). أخرجه أيضًا البخاري في "التاريخ الأوسط" (١٩٣) وابن زنجويه (١٩٣) وابن الأعرابي في "معجمه" (١٨٩١).