للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم أر لأصحابنا في هذه المسألة كلامًا إلا ما ذكره أبو عبد الله بن حمدان في "رعايته" (١) فقال: وهل للمسلم أن يتوكَّل لذمي في أداء جزيته أو أن يضمنها عنه أو أن يحيل الذمي عليه بها؟ يحتمل وجهين أظهرهما المنع، انتهى.

وعلى هذا يجري الخلاف فيما إذا تحمَّلَها عنه مسلم أو ذمي، والحَمالة أن يقول: أنا ملتزمٌ لما على فلانٍ بشرط براءة ذمته منه. وقد اختلف الفقهاء في أصل هذه الحمالة.

فالشافعي وأحمد لا يصحِّحانها، هكذا ذكره أصحابه عنه، ولا نصَّ له في المنع، والصحيح الجواز، وهو مقتضى أصوله، وهو اختيار شيخنا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.

قالت الحنفية (٢): المضمون له بالخيار، إن شاء طالب الأصل وإن شاء طالب الضامن، إلا إذا اشترط فيه براءة الأصل، فحينئذٍ تنعقد حوالةً اعتبارًا بالمعنى، كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ المحيلُ تكون كفالةً. فعندهم تصح الحوالة بشرط أن لا يبقى الدَّين في ذمة المحيل، وينقلب ضمانًا، ويصح الضمان بشرط براءة المضمون عنه، وتنقلب حوالةً. وهذا صحيح لا يخالف نصًّا ولا قياسًا، ولا يتضمَّن غررًا، فالصواب القول به.

والمقصود أن المسلم لو تحمَّل عن الذمي بالجزية لم يصح تحملُه،


(١) لم أجد كلامه في "الرعاية الصغرى" و"الكبرى".
(٢) انظر: "الاختيار لتعليل المختار" (٣/ ٣، ٤).