للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صحيح فهذا منه.

وأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - من منع القَبالة فليس مما نحن فيه، بل هو من القَبالة الفاسدة، وهي أن يستأجر الرجل الضَّيعةَ بكلِّ ما فيها من زرعٍ وشجرٍ وعُلُوجٍ وما فيها من إجارة بيوتٍ أو حوانيت وغير ذلك، فيتقبل الجميع ويدفع إلى ربها مالًا معلومًا، فهذه إجارةٌ فاسدةٌ تتضمن أنواعًا من المحذور، كما يفعله كثيرٌ من الناس ويسمونها الكراء (١)، ولهذا قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: ذلك الربا.

ومعلومٌ أن إجارة الشجر بالدراهم والدنانير لا يدخلها ربًا، والذي منعها لم يمنعها لأجل الربا، وهذا بيِّن في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال له الرجل: أتقبَّلُ منك الأُبلَّة، فلم يطلب منه إجارة الشجر، بل يتقبل البلد كلَّه بما فيه، ويدفع إليه مالًا معلومًا، فهذا لا يجيزه أحدٌ، وقد صرّح بهذا في حديث ابن عباس سعيدُ بن جبيرٍ فقال: الرجل يأتي القريةَ فيتقبلُها وفيها النخل والزرع والشجر والعلوج (٢). فهذه هي القَبالات المحرمة، لا التي فعلها أمير المؤمنين وأقرَّه عليها جميع الصحابة، ولا تتمُّ مصلحة الناس إلا به (٣)، كما لا تتم مصلحتهم إلا بإجارة الأرض، فإن الرجل يكون له البستان وفيه الأشجار الكثيرة، ولا يمكنه أن يُفرِد كل نوع ببيعٍ إذا بدا صلاحه.


(١) في الأصل: "الكرى". وفي هامشه: "البلوى" بعلامة خ. ويمكن أن تكون الكلمة "التّكرِّي".
(٢) تقدَّم.
(٣) كذا في الأصل، وفي المطبوع: "بها".