وإن وضع على الزرع؛ فإن جعله مقاسمةً كان معتبرًا بكمال الزرع وتصفيته، وكان ذلك عامَه وأجلَه. وإن وضعه على مَكِيلته وأخذ على كل مقدارٍ معينٍ درهمًا أو نحوه اعتبر أيضًا بكمال الزرع. ووضعُه على رقبة الأرض أحوط؛ لأنه قد يُفرِّط في زرعها فيتعطَّل خراجها، وإذا وضع تأبَّد ما بقيت الأرض على حالها من شربها وقبولها للزرع.
فإن تعطَّلت وبارتْ أو انقطع شربها فهو نوعان:
أحدهما: أن يكون ذلك من جهة أهلها وهم قادرون على إصلاحها، فهذا لا يسقط الخراج لأنه بمنزلة الإجارة، فإذا عطَّل المستأجر الانتفاع لم تسقط عنه الأجرة.
الثاني: أن يكون بسببٍ لا صنعَ لهم فيه، كانقطاع المياه وإجلاء العدو لهم عن أرضهم، وجورٍ لحِقَهم من العمَّال لم تمكنهم الإقامةُ عليه، وتخرب (١) الأرض بالأمطار والسيول ونحو ذلك، فهذا يُسقِط الخراج عنهم حتى تعود الأرض كما كانت، ويتمكنوا من الانتفاع بها.
وعلى الإمام أن يَعمُر الأرض من بيت المال من سهم المصالح، ولا يجوز إلزامهم بعمارتها من أموالهم، فإن سألهم أن يَعْمُروها من أموالهم ويَعتدَّ لهم بما أنفقوا عليها من خراجها فرضُوا بذلك جاز، ولم يُجبَروا عليه إلا أن يكون سهم المصالح عاجزًا عن ذلك، ولا يضرُّ بهم عمارتُهم بالخراج، وفي ذلك مصلحةٌ لهم ولأصحاب الفيء، فهذا يسوغ له إلزامهم به.