وما أرى الميموني فهِمَ ما قال أحمد، وإلا فلا أدري ما معنى هذا الكلام؟ وعمر - رضي الله عنه - إنما قال: لأنهم أهل خراجٍ يبيع بعضهم بعضًا. وفي لفظ: يؤدّي بعضهم عن بعضٍ.
قال أحمد: فإذا صار إلى المسلم انقطع عنه. هكذا لفظه في رواية إسحاق بن منصورٍ، وقد صرَّح في رواية مهنأ بهذا، وقد سأله عن قول عمر - رضي الله عنه - ما معناه؟ فقال: إنهم يؤدُّون الخراج ويستعبد بعضهم بعضًا، فإذا اشتراه مسلم لم يكن عليه خراجٌ.
قلت: كأنه جعل استعباد بعضهم بعضًا غيرَ مؤثِّرٍ في إسقاط الجزية عنهم، وقد صرَّح به عمر - رضي الله عنه - في قوله: إنهم أهل خراجٍ يبيع بعضهم بعضًا.
وللصحابة ــ لاسيما الخلفاء منهم، لاسيما عمر ــ فقهٌ ونظر لا تبلغه أفهامُ مَن بعدهم، فكأن عمر - رضي الله عنه - لم يُثبِت لرقيقهم أحكامَ الرقيق التي تثبت لرقيق المسلم، وعلم أنهم يبيع بعضهم بعضًا، وذلك لا يُثبِت الرقَّ في الحقيقة، فمنع المسلم من شرائه احتياطًا، ولم يُسقِط الجزية عن رقبته، وألزمها من ادَّعى أنه رقيقه. وهذا من أدقِّ النظر وألطفِ الفقه، وقد وافقه على ذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكره للمسلم شراءهم. وقال: من أجل أنَّ عليهم خراجًا للمسلمين (١).
(١) "وقال: من أجل أنّ عليهم خراجًا للمسلمين" ساقطة من المطبوع.