للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فالموضع موضع إضرابٍ، لا موضع تقريرٍ ومشاركةٍ، فهو موضع (بل عليكم)، لا موضع (وعليكم)، فإذا دخلت (١) الواو كان إعادةً لمثل قوله من غير إشعارٍ بأنك علمت مراده، وإذا أتيت بلفظة "بل" أشعرتَه أنك فهمت مراده ورددتَه عليه قصاصًا، والأول أليق بالكرم والفضل. ولهذا السر ــ والله أعلم ــ دخلت الواو، على أنه ليس في دخولها إشكالٌ، فإن الموت لا ينجو منه أحدٌ، وكأن الرادّ يقول: الذي أخبرتَ بوقوعه علينا نحن وأنت فيه سواءٌ، فهو علينا وعليك. وهذا أولى من تغليط الراوي في إثباتها إذ لا سبيلَ إليه.

فإن قيل: بل إليه سبيلٌ، قال الخطابي (٢): يرويه عامَّة المحدثين بالواو، وابن عيينة يرويه بحذفها، وهو الصواب.

قيل: قد ضبط الواوَ عبدُ الله بن عمر، وضبطها عنه عبد الله بن دينارٍ، وضبطها عنه مالك. قال أبو داود في "سننه" (٣): كذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينارٍ، ورواه الثوري أيضًا عن عبد الله بن دينارٍ فقال: وعليكم، انتهى.

وهذا الحديث قد أخرجه البخاري في "صحيحه" (٤) كما تقدم. وحديث


(١) في الأصل: "حذف"، ولا يستقيم به المعنى.
(٢) في "معالم السنن" (٨/ ٧٥). وانظر التعليق عليه في "زاد المعاد" (٢/ ٤٩٦).
(٣) بعد أن أخرجه (٥٢٠٦) من طريق عبد العزيز بن مسلم القسملي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر بإثبات الواو.
(٤) برقم (٦٢٥٧) من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك به. وتابع التنيسي بإثبات الواو عن مالك: ابنُ أبي أويس (الأدب المفرد: ١١٠٦)، وابن وهب (مستخرج أبي عوانة: ٩٤٨٨)، وقتيبة بن سعيد (ابن السني: ٢٤٣). ورواه آخرون عن مالك بحذف الواو، منهم: القعنبي (مسند الموطأ: ٤٧٨)، وأبو مصعب الزهري (الموطأ: ٢٠٢١)، ويحيى الليثي (الموطأ: ٢٧٥٩)، ومحمد الشيباني (الموطأ: ٩١٣)، وخالد بن مخلد (الدارمي: ٢٦٧٧).