وصلى الله على الذي رفعه باصطفائه إلى محلِّه المنيف، وبعثه إلى الناس كافةً بالدين القيم الحنيف، وجعله أفضلَ من كان وأفضلَ من يكون، وأرسله {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة: ٣٣]، فكانت نبوته لظهر الكفرِ قاصمةً، وشريعتُه لمن لاذَ بها ولجأ إليها من كل شرٍّ عاصمةً، وحججُه لمن عاند وكفر خاصمةً، حتى أذعنَ المعاندون واعترف الجاحدون وذلَّ المشركون، و {جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}[التوبة: ٤٨]، وأشرقَ وجهُ الدهر برسالته ضياءً وابتهاجًا، ودخل الناس بدعوته في دين الله أفواجًا، وأشرقت على الوجود شمسُ الإسلام، واتسقَ قمرُ الإيمان، وولَّت على أدبارها مهزومةً عساكر الشيطان.
ورضي الله عن أصحابه وخلفائه الذين اتبعوا سنتَه، وابتغَوا في القيام بها رضوانَه، ووقفوا عند شرعه، فأعزُّوا من أعزَّه وأهانوا من أهانَه.
أما بعد، فإن الله سبحانه ببالغِ حكمته وسابغِ نعمته شرَّفَ دين الإسلام وطهَّره من الأدناس، وجعل أهله خير أمةٍ أخرجت للناس. فالإسلام الدين القويم الذي اصطفاه الله من الأديان لنفسه، وجعله دين أنبيائه ورسله وملائكة قُدْسِه، فارتضاه واختاره. وجعل خيرَ عباده وخاصَّتَه هم أولياءَه وأنصارَه، يحافظون على حدوده ويثابرون، ويدعون إليه ويذكرون، ويخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، فهم بآيات ربهم يؤمنون،