للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا فيه نزاعٌ في مذهب الشافعي وأحمد، وطائفةٌ من أصحابهما ينصرون الضمان. وكثيرٌ من متأخري أصحاب أحمد يظن أن هذا هو ظاهر مذهبه، وأن عدم الضمان هو قول أبي بكر عبد العزيز (١)، ولم يعلم أن أحمد نصَّ على قول أبي بكر (٢)، وأن أهل الردة والمحاربين لا يضمنون ما أتلفوه من النفوس والأموال كأهل الحرب الكفار الأصليين، فإنَّ هؤلاء ليس فيهم خلاف، وإنما النزاع في المرتدين والبُغاة المتأولين فإن فيهم نزاعًا في مذهب الشافعي وأحمد. والصواب فيهم الذي عليه الجمهور، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما.

وكذلك البُغاة المتأوِّلون من أهل القبلة كالمقتتلين بالجَمَل وصِفِّين لا يضمنون ما أتلفه بعضهم على بعض في القتال، وهذا هو المنصور عند أصحاب أحمد.

قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أنَّ كلَّ دمٍ أو فرج (٣) أصيب بتأويل القرآن فإنَّه هدرٌ، أنزَلُوهم منزلة الجاهلية (٤).


(١) غلام الخلال. انظر: «الفروع» (١٠/ ٢٠٤) و «الإنصاف» (٢٧/ ١٥٨).
(٢) في رواية مهنَّا. انظر: «جامع الخلال» (٢/ ٥١٤) و «المغني» (١٢/ ٢٩٧).
(٣) في المطبوع: «جرح»، خلاف الأصل ومصادر التخريج.
(٤) أخرجه عبد الرزاق (١٨٥٨٤) وابن أبي شيبة (٢٨٥٤٢) والخلال في «السنة» (١٢٥) ــ ولفظه أتمُّ ــ والبيهقي (٨/ ١٧٤) بنحوه. وإسناده صحيح إلى الزهري.

هذا، وذِكرُ قول الزهري عقب ذكر الجمل وصفين يوحي أن المراد بالفتنة في قول الزهري تانك الوقعتان. وكذا قال الألباني في «الإرواء» (٢٤٦٥): هي وقعة صفين. ولكن ظاهر ما نقله الخلال (١٢٢، ١٢٣) عن أحمد يدل على أن المراد بها فتنة الخوارج والحرورية. وهو الصواب، فإن المقتتلين بالجمل وصفين لم يستحلُّوا الفروج بخلاف الخوارج. والله أعلم.