للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح بأنها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان (١)، وهذه ليست متواليةً فلا يقال فيها: فإذا انسلخت، فإنَّ الثلاثة إذا انسلخت بقي رجبٌ، فإذا انسلخ رجبٌ بقي ثلاثة أشهرٍ ثم تأتي الحُرُم، فليس جعْلُ هذا انسلاخًا بأولى من ذلك، ولا يقال لمثل هذا: (انسلخ)، إنما يستعمل هذا في الزمن المتصل.

ثم إنَّ جمهور الفقهاء على أنَّ القتال في تلك الحُرُم مباحٌ، فكيف يقول: فإذا انسلخ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجبٌ فاقتلوا المشركين، وهو قد أباح فيها قتال المشركين؟

وأيضًا فهذه البراءة (٢) نزلت عام حجة الصديق - رضي الله عنه -، وكان حجُّه في ذي القعدة على العادة لأجل النسيء الذي كانوا يَنْسَؤُون فيه الأشهرٍ، وإنما استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض لمَّا حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حجةَ الوداع في العام المُقبِل سنة عشر. والله تعالى سيَّر المشركين أربعة أشهر يأمنون فيها، وتلك لا تنقضي إلا عاشر ربيع الأول.

وقد اختلف المفسرون في هذه الأشهر الحرم ــ وهي أشهر التسيير (٣) ــ على أقوالٍ:

أحدها: أنها هي الحُرُم المذكورة في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. وهذا


(١) أخرجه البخاري (٣١٩٧) ومسلم (١٦٧٩/ ٢٩) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(٢) في هامش الأصل: «الآية»، وهو الذي أثبته في المطبوع.
(٣) تصحَّف في فرع الأصل إلى «التيسير»، فأصلحه في المطبوع.