للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثالث: إنَّه يُحكم بإسلامهم إن مات الأبوان أو أحدهما في دار الإسلام، ولا يحكم بإسلامهم إن ماتا في دار الحرب. وهذا هو المنصوص عن أحمد، وهو اختيار عامة أصحابه (١). واحتجوا على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه». متفق عليه (٢).

قالوا (٣): فجعل كُفره بفعل أبويه، فإذا مات أحدهما انقطعت التبعيَّة، فوجب إبقاؤه على الفطرة التي ولد عليها.

قالوا: ولأنَّ المسألة مفروضةٌ فيمَن مات أبوه في دار الإسلام، وقضية الدار الحكم بإسلام أهلها، ولذلك حكمنا بإسلام لقيطها، وإنَّما ثبت الكفر للطفل الذي له أبوان تغليبًا لتبعيَّة الأبوين على حكم الدار، فإذا عُدما أو أحدهما وجب إبقاؤه على حكم الدار لانقطاع تبعيته للكافر.

قالوا: ومما يوضِّح ذلك أنَّ الطفل يصير مسلمًا تبعًا لإسلام أبيه، فكذلك إنَّما صار كافرًا تبعًا لكفر أبيه، فإذا مات الأب زال من يتبعه في كفره، فكان الإسلام أولى به لثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّه الفطرة الأصلية التي فطر الله عليها عباده، وإنَّما عارضها فعل الأبوين، وقد زال العارض، فعمل المقتضِي عمله.

الثاني: أنَّ الدار دارُ الإسلام، ولو اختلط فيها ولد الكافر بولد المسلم


(١) انظر: «الجامع» للخلال (١/ ٨٩) و «الإنصاف» (٢٧/ ١٦٤ - ١٦٧).
(٢) البخاري (١٣٥٨، ١٣٨٥) ومسلم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: «المغني» (١٢/ ٢٨٦)، فالمؤلف صادر عنه.