للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين القولين المتقابلين، وبه يجتمع (١) شملُ الأدلة من الجانبين. فإنَّ القائلين ببقائه على الكفر قالوا: لا يُعرَف أنَّه عمل في الإسلام بقول من قال: يصير أطفال أهل الذمة مسلمين بموت آبائهم، مع العلم القطعي بأنَّه لم يزل في أهل الذمة الأيتامُ في الأعصار والأمصار من عهد الصحابة إلى وقتنا، وهم يرون أيتام أهل الذمة بين المسلمين ويشاهدونهم عيانًا ويتصدَّقون عليهم، فلو كانوا مسلمين عندهم لَمَا ساغ لهم إقرارهم على الكفر وأن لا يحولوا بينهم وبين الكفار.

قالوا: ويدلُّ عليه أنَّ هذا لو كان حكمَ أولادهم لكان من أهم الأمور، وكان ذكره فيما شرط عليهم آكد وأولى من تغيير لباسهم، وهيئة ركوبهم، وخفض أصواتهم بكنائسهم (٢) وبالناقوس، ونحو ذلك من الشروط؛ فأين هذا من بقاء أطفالهم على [دينهم] (٣) كفارًا، وقد صاروا مسلمين بمجرَّد موت الآباء؟ قالوا: وهذا يقرب من القطع.

والذين حكموا بإسلامهم قالوا: من الممتنع أن يُجعل من فطره الله على الإسلام كافرًا بعد موت أبويه اللذين جعله الله تابعًا لهما شرعًا وقدرًا، فإذا زال الأبوان كان من الممتنع نقل الولد عن حكم الفطرة بلا موجِب، وقد قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اَللَّهِ اِلَّتِي فَطَرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِللَّهِ ذَلِكَ اَلدِّينُ اُلْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ اَلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}


(١) في الأصل: «يجمع»، ولعل المثبت أشبه.
(٢) في هامش الأصل: «بكتابهم».
(٣) زيادة لإقامة السياق.