للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قوله: إنَّ ذلك كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر الناس بالجهاد، فلا أدري ما هذا! فإن كان أراد أنَّ ذلك منسوخٌ، فغير جائزٍ عند العلماء دخول النسخ في أخبار الله وأخبار رسوله؛ لأنَّ المُخبِر بشيءٍ كان أو يكون إذا رجع عن ذلك لم يخلُ رجوعه عن تكذيبه لنفسه، أو غلطه فيما أخبر به، أو نسيانه؛ وقد عصم اللهُ رسولَه في الشريعة والرسالة منه. وهذا لا يخالف فيه أحدٌ له أدنى فَهْم، فقِفْ عليه، فإنَّه أمرٌ حتمٌ في أصول الدين.

وقول محمد: «إنَّ ذلك كان قبل أن يؤمر الناس بالجهاد» (١) ليس كما قال، لأنَّ في حديث الأسود بن سريع (٢) ما يبيِّن أنَّ ذلك كان منه بعد الأمر بالجهاد.

وروى بإسناده عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بال أقوامٍ بلغوا في القتل حتى قتلوا الولدان؟»، فقال رجلٌ: أَوَليس إنما هم (٣) أولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوليس خيارُكم أولادَ المشركين؟ إنَّه ليس من مولود يُولَد إلا على الفطرة حتى يبلغَ فيُعبِّر عنه لسانُه، ويهوِّدُه أبواه أو ينصِّرانه».

قال: وروى هذا الحديث عن الحسن جماعةٌ، منهم: بكرٌ المزني، والعلاء بن زيادٍ، والسري بن يحيى (٤). وقد روي عن الأحنف عن


(١) من قوله: «فلا أدري ما هذا» إلى هنا ليس في مطبوعة «التمهيد».
(٢) سبق تخريجه (ص ١١٤).
(٣) «إنما هم» تصحَّف في الأصل والمطبوع إلى: «آباؤهم»!
(٤) رواية بكر في «السنة» للخلال (٨٧٠)، ورواية السري عند ابن حبان (١٣٢) وغيره. وأما رواية العلاء بن زياد فلم أجدها، وأخشى أن يكون سهوًا أو سبقَ قلمٍ من حافظ المغرب وأن الصواب: «المعلَّى بن زياد»، فإنه رواه عن الحسن كما عند الطبراني في «الأوسط» (١٩٨٤) و «الكبير» (٨٣٧)، وعند لوين في «حديثه» (٣٠). وقال البيهقي في «القضاء والقدر» (ص ٣٤٤) بعد أن أخرجه من طريق يونس بن عُبيد عن الحسن: «وبمعناه رواه المعلى بن زياد، وأشعث، ومبارك بن فضالة، وغيرهم عن الحسن».