للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون= فقد أكذب نفسَه فيما أخبر، ودلَّ على أنَّه أخبر بما لا يعلمه، أو تعمَّد الكذب، أو قال بالظَّنِّ وكان جاهلًا ثمَّ رجع عن ظنِّه.

ولا يُعلَم أحدٌ يجوِّز الناسخ في أخبار الله غير صنفٍ من الروافض يصفونه بالبداء، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. فلم يزل الله سبحانه عالمًا بما يكون، ومريدًا لما علم أنَّه سيكون، لم يستحدث علمًا لم يكن، ولا إرادةً لم تكن. فإذا أخبر عن شيء أنه كائنٌ فغيرُ جائزٍ أن يخبر أبدًا عن ذلك الشيء أنَّه لا يكون، لأنَّه لم يخبر أنَّه كائنٌ إلا وقد عَلِم أنَّه كائنٌ وأراد أن يكون، وهو الفاعل لِما يريد، العالِم بعواقب الأمور، لا تبدو له البَدَوات، ولا تحُلُّ به الحوادث، ولا تعتقبه الزيادة والنقصان. فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولودٍ يولد على الفطرة» خبرٌ منه عن كل مولودٍ أنَّه يُولَد على الفطرة، فغير جائز أن يخبر أبدًا بخلاف ذلك فيقول: إنَّ كل مولودٍ يولد على غير الفطرة.

قال: وتفسير الحديث يدلُّ على خلاف ما قال ابن الحسن؛ قال الأسود بن سريع: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتل الناس يومئذٍ حتى قتلوا (١) الذرية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولودٍ يولد على الفطرة»، فأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوةٍ: «كل مولودٍ يولد على الفطرة»، فأبان أنَّ هذا القول كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الأمر بالجهاد، وزعم محمد بن الحسن أنَّ هذا القول كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد، فخالف الخبر.

والراوي لهذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة والأسود بن سريعٍ وسمرة (٢).


(١) في المطبوع: «قُتلت».
(٢) سبق تخريجها.