للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الولدان عليها، وذلك أنَّ الفطرة: السلامةُ والاستقامةُ، بدليل قوله في حديث عياض بن حمارٍ: «إنَّي خلقت عبادي حنفاء» (١) يعني على استقامةٍ وسلامةٍ، وكأنَّه ــ والله أعلم ــ أراد الذين خَلَصُوا من الآفات كلِّها والمعاصي والطاعات، فلا طاعة منهم ولا معصية، إذ لم يعملوا بواحدةٍ منهما.

ومن الحجة أيضًا في هذا: قول الله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٤]، و {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨]، ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء. قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

قال شيخ الإسلام (٢): هذا القائل إن أراد بهذا أنَّهم خُلِقوا خَالِين من المعرفة والإنكار من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر، وهذا هو الذي يشعر به ظاهر الكلام= فهذا قول فاسد، لأنَّه حينئذ لا فرقَ بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير والإسلام، وإنما ذلك بحسب الأسباب. فكان ينبغي أن يقال: فأبواه يجعلانه مسلمًا ويهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه. فلمَّا ذكر أنَّ أبويه يكفِّرانه دون الإسلام عُلِم أنَّ حكمه في حصول ذلك بسبب منفصل غير حكم الكفر.

وأيضًا: فإنَّه على هذا التقدير لا يكون في القلب سلامةٌ ولا عطبٌ، ولا استقامةٌ ولا زيغٌ، إذ نسبتُه إلى كلٍّ منهما نسبةٌ واحدةٌ، وليس هو بأحدهما


(١) أخرجه مسلم (٢٨٦٥)، وقد سبق غير مرة.
(٢) في «درء التعارض» (٨/ ٤٤٤).