قالوا: ولأن القتل إنما وجب في مقابلة الحِراب لا في مقابلة الكفر، ولذلك لا يُقتل النساء ولا الصبيان ولا الزَّمْنى والعميان ولا الرهبان الذين لا يقاتلون، بل نقاتل من حاربنا.
وهذه كانت سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل الأرض: كان يقاتل من حاربه إلى أن يدخل في دينه أو يُهادِنَه أو يدخل تحت قهره بالجزية، وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم كما تقدم من حديث بُريدة، فإذا ترك الكفَّار محاربةَ أهل الإسلام وسالموهم وبذلوا لهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون كان في ذلك مصلحةٌ لأهل الإسلام وللمشركين.
أما مصلحة أهل الإسلام فما يأخذونه من المال الذي يكون قوةً للإسلام مع صَغار الكفر وإذلاله، وذلك أنفع لهم من ترك الكفّار بلا جزيةٍ.
وأما مصلحة أهل الشرك فما في بقائهم من رجاء إسلامهم إذا شاهدوا أعلام الإسلام وبراهينه، أو بلغَتْهم أخباره، فلا بدَّ أن يدخل في الإسلام بعضهم، وهذا أحبُّ إلى الله من قتلِهم.
والمقصود إنما هو أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وليس في إبقائهم بالجزية ما يناقض هذا المعنى، كما أن إبقاء أهل الكتاب بالجزية بين ظهور المسلمين لا ينافي كونَ كلمةِ الله هي العليا وكونَ الدين كلِّه لله، فإنّ من كون الدين كلِّه لله: إذلالَ الكفر وأهلِه وصَغارَه، وضرْبَ الجزية على رؤوس أهله، والرقَّ على رقابهم. فهذا من دين الله، ولا يناقض