للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روي في أرض مصر أنَّها فُتِحت صُلحًا، وروي أنَّها فتحت عَنوةً، وكلا الأمرين صحيح على ما ذكره العلماء المتأمِّلون (١) للروايات الصحيحة في هذا الباب، فإنَّها فتحت أولًا صُلحًا ثم نقَضَ أهلُها العهد، فبعث عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - يستمِدُّه، فأمدَّه بجيشٍ كثيرٍ فيهم الزبير بن العوام، ففتحها المسلمون الفتح الثاني عنوةً (٢). ولهذا روي من وجوهٍ كثيرةٍ أنَّ الزبير سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أن يقسمها بين الجيش (٣)، كما سأله بلالٌ قَسْم الشام (٤)، فشاور الصحابة في ذلك فأشار عليه كبراؤهم كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أن يَحبِسها فيئًا للمسلمين ينتفعُ بفائدتها أوَّلُ المسلمين وآخرُهم (٥)، ثم وافق عمرَ على ذلك بعضُ مَن كان خالفه، ومات بعضهم، فاستقرَّ الأمر على ذلك.

فما فتحه المسلمون عَنوةً فقد ملَّكهم الله إياه (٦)، كما ملَّكهم ما استولوا عليه من النفوس والأموال والمنقول والعَقار. ويدخل في العقار معابدُ الكفار ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض، كما يدخل في المنقول


(١) في المطبوع: «المتأهلون»، تصحيف.
(٢) انظر: «الأموال» لأبي عبيد (١/ ٢٤٤ - ٢٤٦)، و «فتوح مصر» لابن عبد الحكم (ص ٦١)، و «فتوح البلدان» للبلاذري (١/ ٢٤٩).
(٣) أخرجه أحمد (١٤٢٤) وأبو عُبيد (١٥١، ١٥٦) والبيهقي (٦/ ٣١٨) وغيرهم.
(٤) أخرجه أبو عبيد (١٥٤) والبيهقي (٦/ ٣١٨).
(٥) أخرجه أبو عُبيد (١٥٨) وابن زنجويه (١٥٨) والبيهقي (٩/ ١٣٤) بذكر مشورة علي. ومشورة معاذ عند أبي عُبيد (١٥٩، ١٦٠) وعنه ابن زنجويه (٢٣١، ٢٣٢).
(٦) هذا خبر «ما فتحه المسلمون» الذي في مطلع الإجابة، وأُعيد هنا لطول الفصل.