للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخلتُ دارًا، فانهدمت جميعها ودخل بَراحَها لم يحنث لزوال الاسم. فلو قلنا: يجوز بناؤها إذا انهدمت، كان فيه إحداث بيعة في دار الإسلام، وهذا لا يجوز كما لو لم يكن هناك بيعةٌ أصلًا.

قال المجوِّزون ــ وهم أصحاب أبي حنيفة والشافعي وكثيرٌ من أصحاب مالك وبعض أصحاب أحمد ــ: لمَّا أقررناهم عليها تضمَّن إقرارُنا لهم جوازَ رمِّها وإصلاحها وتجديد ما خرب منها، وإلا بطَلت رأسًا، لأنَّ البناء لا يبقى أبدًا، فلو لم يجُزْ تمكينهم من ذلك لم يجُزْ إقرارها.

قال المانعون: نحن نُقِرُّهم فيها مُدَّةَ بقائها كما نُقِرُّ المستأمَنَ مدَّةَ أمانه. وسِرُّ المسألة أنَّا أقررناهم إمتاعًا (١) لا تمليكًا، فإنَّا ملكنا رَقبتها بالفتح وليست ملكًا لهم.

واختار صاحب «المغني» (٢) جواز رمِّ الشعث ومنع بنائها إذا استَهْدَمت. قال: لأنَّ في كتاب أهل الجزيرة لعِياض بن غَنْم: ولا نُجدِّد ما خرب من كنائسنا، وروى كثير بن مُرَّة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُبنَى كنيسةٌ في الإسلام ولا يُجدَّد ما خرب منها» (٣).

قال: ولأنَّ هذا بناءُ كنيسة في الإسلام فلم يَجُز، كما لو ابتُدِئ بناؤها، وفارق رمَّ ما شَعَث منها فإنَّه إبقاءٌ واستدامةٌ، وهذا إحداثٌ.


(١) في الأصل والمطبوع: «اتباعًا»، ولعل المثبت أشبه، وسيأتي قول المؤلف: «لم يملكوا رِقابها ... وإنَّما مُتِّعوها إمتاعًا».
(٢) (١٣/ ٢٤١).
(٣) سبق تخريجه.