للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولسنا نَنْفي أنَّ الحاجةَ قد تَستَدْعِي المُعتزلةَ لقَبولِ بعضِ الأحاديث وسَوقِها في مَقاماتِ الاحتجاجِ، لكن اعتِضادًا لا تَأسِيسًا، «فإنَّهم لا يَعتَبِرون الآحادَ مِن السُّنةِ إلَّا على وجهِ التَّعارُف، وذلك بعد مُوافقتِه للعقلِ» (١).

وهم قد يفعلون ذلك أيضًا ليَدفعوا تشنيعَ أهلِ السُّنةِ عليهم بمُجافاةِ سُنَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، «فإنَّهم لا يكادون يَلتَفِتَون إليه، وخصُومُهم يَتَسَلَّقون عليهم مِن جِهَتِه، وينَسِبونَهم إلى قِلَّة العلمِ به، ورُبَّما حَاجُّوهم في النَّبي صلى الله عليه وسلم يَسألونَهم عنه!» (٢).

والقصدُ من مُجمل هذا: أنَّ المُعتزلةَ شَكَّلَت مَوقِفها مِن أخبارِ الآحادِ، بحسبِ اتِّساقِها أو فِراقِها لأصولِهم الخمسةِ، فما كان على نَقيضِ مُقتضاها «مِن آياتٍ يُؤوِّلونها، وما يُعارضها مِن أحاديث يُنكرونها .. ولذلك، فإنَّ مَوقِفَهم مِن الحديثِ كثيرًا ما يكون موقفَ المُتشَكِّك في صِحَّته، وأحيانًا موقفَ المُنكر له، لأنَّهم يُحكِّمون العقلَ في الحديث، لا الحديثَ في العقل» (٣).


(١) «فضل الاعتزال» للقاضي عبد الجبار (ص/١٨٥ - ١٨٦).
(٢) «قبول الأخبار» لأبي القاسم البلخي المعتزلي (١/ ١٨).
(٣) «ضحى الإسلام» لأحمد أمين (٣/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>