للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرَّابع

تأثير الفكرِ الاعتزاليِّ في الفِرق الكلاميَّة

قريبًا مِن هذا المَسلكِ الغالي في العَقليَّات، مَشَى كثيرٌ من الأشاعرةِ المُتأخِّرين، وإن كانوا هم ألصَقَ بالنُّصوصِ الشَّرعيَّة مِن أولئك، وأشَدَّ تَعظيمًا لها، وأتبَعَ لمنهجِ السَّلف الصَّالحين؛ أذكرُ منهم أبا حامِدٍ الغزاليِّ (ت ٥٠٥ هـ) (١)، هذا العَلَمُ الكبير -وإن كان مُناوِئًا لأهلِ الاعتزالِ في جُملةِ تَقريراتِهم- إلَّا أنَّ له مِن التَّأصيلاتِ في باب العقائد ما يُوافق نظرَتهم إلى الدَّلائل النَّقليَّة، فيردُّ أكثر أحاديث الصِّفات لإيهامها التَّشبيه في حقِّ الله تعالى.

ترى ذلك -مثلًا- في قوله: « .. ما قَضَى العَقْلُ باسْتحالتِهِ، فيَجِبُ فيه تأويلُ ما وَرَدَ السَّمْعُ به، ولا يُتصوَّرُ أَنْ يَشْتَمِلَ السَّمْعُ على قاطعٍ مُخالفٍ للعقولِ، وظَوَاهرُ أَحاديثِ التَّشبيه أَكثرها غيرُ صَحيحةٍ، والصَّحيحُ منها ليس بقاطعٍ، بل هو قابلٌ للتَّأويلِ» (٢).


(١) محمد بن محمد بن محمد الغَزَالي الطُّوسي: المُلقَّب بحُجَّة الإسلام، فيلسوف متصوف، ومن كبار فقهاء الشَّافعيَّة، وأذكياء العالم، له نحو مئتى مُصنَّف، مِن أشهرها «إحياء علوم الدين»، انظر «أعلام النبلاء» (١٩/ ٣٣٢).
(٢) «الاقتصاد في الاعتقاد» لأبي حامد الغزالي (ص/١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>