للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثَّالث

مَوقف المُعتزلة مِن الأحاديثِ النَّبويَّة بخاصَّةٍ

المُعتزلة مِن أوائلِ الفِرق الإسلاميَّةِ المَقرونِ اسمُها مع العقلِ غُلوًّا في تَوظيفِه، حيث قَدَّمته أوَّلًا على باقي مَراتبِ الأدلَّة (١)؛ ثمَّ تَقَعَّد هذا المَنحى فيها وتمكَّن على يَدِ أبي الهُذيل العَلَّاف (ت ٢٢٦ هـ) (٢)، إذ كان أوَّلَ نزَّاعٍ إلى العَقلنةِ اليونانيَّةِ مِن طائفتِه، استاقَ مِن الكُتبِ المُترجِمةِ لأفكارِ الفلاسفةِ ما أفرَغَه في كلامِ أهلِ الاعتزال (٣) -بشهادةِ تلميذِه النَّظام (٤) (ت ٢٣١ هـ) (٥) - فتوَلَّدت عن ذلك أصولٌ مَشينةٌ، حَطَّ بها مِن قَدرِ الأخبارِ النَّبويَّة بخاصَّة.

تَرى شاهِد هذا الانحراف منه عن الأخبار في مثلِ قولِه: «الرِّواية ريبةٌ، والحُجَّة في المَقايِيس» (٦)، وقولِه: «إنَّ الحُجَّة مِن طريق الأخبارِ فيما غاب عن


(١) كما أقرَّ به القاضي عبد الجبَّار في «فضل الاعتزال» (ص/١٣٩).
(٢) محمد بن الهذيل العبدي: شيخ المعتزلة، ورأس الطائفة الهذيلية، ولد في البصرة واشتهر بعلم الكلام، حتَّى قال المأمون: «أطلَّ أبو الهذيل على الكلام كإطلال الغمام على الأنام»، انظر «تاريخ بغداد» (٣/ ٣٩٦).
(٣) انظر «الملل والنحل» للشهرستاني (١/ ٢٩) و «طبقات المعتزلة» لابن المرتضى (ص/٤٤).
(٤) إبراهيم بن سيار بن هانئ النَّظام: رأس الفرقة النظامية المعتزلة، تبحَّر في علوم الفلسفة، واطلَّع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيِّين، وانفرد بآراء خاصَّة شنيعة، فكان مُتَّهما بالزندقة، وكان شاعرا أديبًا بليغًا، انظر «طبقات المعتزلة» (ص/٤٤)، و «سير النبلاء» (١٠/ ٥٤١).
(٥) «فضل الاعتزال» للقاضي عبد الجبار (ص/٢٦١).
(٦) «فضل الاعتزال» للقاضي عبد الجبار (ص/٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>