التَّفاوت الفسيح بين منهجِ المُتقدِّمين وطُرق المُعاصرين
من غير ذوي الأهليَّة في تعليلِ «الصَّحيحين»
مِمَّا يتأكدُّ التَّذكير به ابتداءً قبل استجلاء أوجه الاختلاف بين الفريقين: أنَّ الَّذي يُسوِّي في أيٍّ عِلمٍ كان، بين الرَّجلِ المَعروفِ بالعلمِ به والدِّقةِ فيه والسَّعيِ في تحصيلِه، والمَهارةِ البَحثيَّةِ المُكتسبَةِ فيه عبر أزمان مَديدةٍ، وشهادةِ النَّاس له بالدِّينِ والصِّدقِ في الطَّلَب؛ ومَن هو دونَه مِمَّن تخلَّفَت عنه هذه الأوصاف، بجامعِ أنَّ الكلَّ بَشَر يُصيب ويُخطئ؛ إنَّ التَّسويةَ بين هذين في العلومِ لمِن أفسدِ القياس! والسَّببُ في ما ابتُليت به الأمَّة من هذه الفوضى في استصدار الأحكام، والعبث بمصادر تشريعها.
فهذا الصِّنفِ الثَّاني لا يحِقُّ له التَّبجُّح بنَقداتِ الفُحولِ القُدامى للتُّراث مِمَّن سبق ذكرهم، ولا التَّعذُّرَ بسابقِ نَظراتِهم في مرويَّات السُّنة، بل كان الأستَر لهمُ التَّحايَدُ عن هذا المَسلكِ بالمرَّة! إذ حادوا عن جادتهمِ تَنظيرًا وتطبيقًا، وذلك مِن عِدَّة وجوه:
الوجه الأوَّل: حِيادُهم عن منهجِ المُتقدِّمين في الصِّناعةِ الحديثيَّة وأصولها، وعدم مُراعاتِهم للضَّوابطِ الآليَّةِ الَّتي التزموها في النَّقدِ، وتراميهم على نقد المتون -أو ما يسمِّيه بعضهم بالنَّقد الدَّاخلي- دون مراعاة لأحوال الأسانيد ومراتب الرُّواة وحيثيَّات الرِّواية؛ ومَردُّ ذلك إلى اختلافِ الرُّؤى الفكريَّة بين الفَرِيقين،