عن حديثِ سِنِّ عائشة عند زواجِها بالنَّبي صلى الله عليه وسلم
تمهيد:
أرى لِزامًا قبل الشُّروعِ في تفنيدِ هذه المُعارضاتِ الَّتي تخصُّ الحديثَ، أن أُنبِّه إلى أصلِ الشُّبهة الَّتي تَمخَّضت مِن رَحِمها تلك المُعارضات، والباعث الحقيقيِّ إلى هذه الاستشكالاتِ، وهو: عدمُ إدراك الفارق الكبير بين الأزمنةِ والبيئات والأعرافِ المختلفة المتعلِّقة بالزَّواج والبَاءة.
فإنَّ مِن التَّجَني في الأحكام، أن يُوزَن حَدَث ما مُنفصلًا عن زمانِه ومكانِه وظروفِ بيئتِه، فتُهدر فروق القُدراتِ الجِسميَّة والذِّهنيَّة عبر العصور؛ ولَإِن كانت العِبرة في تمامِ الزَّواجِ نُضج الزَّوجين والقدرةِ على الإنجاب، فإنَّ مِن العَيْبِ قياسُ زَواجِ عُقِدَ في مكَّةَ قبل أربعة عشر قرنًا، بما يَحدُث اليومَ عند ضِبَابِ الغربِ ومَن دَخَل جُحرَهم مِن مُستغربينا!
فالَّذي على المُعترِض أن يَفهمَه قبل اعتراضِه على مثل هذه الأحاديث: أنَّ قدرةَ النِّساءِ على النِّكاح ولوازمه -مِن جِماعٍ وولادةٍ وغير ذلك- ليست على وِزانٍ عُمْريٍّ واحد، بل تختلف مِن زَمنٍ إلى زَمن، ومِن بيئةٍ إلى بيئةٍ، بل مِن عِرْق إلى عِرْق، لاختلافِ عَوامل المُناخ، والتَّغذية، والثَّقافة؛ هذا ليس قولي أنا، بل ما تُؤكِّده دراسات الأطبِّاء في علمِ الخُصوبةِ ومُؤثِّراتها.