للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الثَّاني

نشأة العَلمانيَّة، ومُسوِّغات ظهورها عند الغَرب

ظهرت العَلمانيَّة في أوربا الغربيَّة في القرن السَّابع عشر، في مجتمعاتٍ تَدين في مُجملها بالنَّصرانيَّة، بدينٍ يَفتقد لمُقوِّمات إدارة الحياة مِن حيث التَّشريعاتِ في المُعاملات كما في الإسلام.

فكانت المُصيبة الَّتي أوقعَ فيها رجال الكنيسةِ أهل تلك المُجتمعات، أنْ حكَّموا عليهم ما لا يَصلُح أن يُحكَم به من دينهم المُحرَّف، حتَّى أقاموا به نظامًا «ثِيُوقراطيًّا» (١)، يدَّعي فيه باباواتِ الكاثوليكِ أنَّهم يَسُوسونَ رَعاياهم باسم الله وأمرِه (٢).

فجثموا بذلك على صدور النَّاس قرونًا مديدة، ناصروا فيها الخُرافةَ المُعادية للعقول، وحارَبت العَلماءَ بدعوى الهرطقة، وصادَروا أفكارَهم، وأكلوا أموالَ المُغفَّلين بباطلِ صكوكِ الغُفران، وسانَدوا المُلوكَ والإقطاعيِّين في سلبِ أرزاقِ النَّاس، حتَّى سادَ ظلامُ الجهلِ ونيران الظُّلمِ أصقاع أورُبا (٣).


(١) ثيوقراطيَّة: تعني حكومة الكَهَنة، أو الحكومة الدِّينية، وتتكون هذا المصطلح من كلمتين يونانيتين مدمجتين: «ثيو» وتعني الدِّين، و «قراطية» وتعني: الحكم، وعليه فان الثيوقراطية هي نظام سياسي يستمد الحاكم فيه سلطته وشرعيته من الإله مباشرة، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردي الذي كان يحكمها الملك عن طريق الوراثة، ولا يجوز لأحد مخالفته باعتباره خليفة الله والمُتكلِّم باسمه، وانظر «معجم اللغة العربية المعاصرة» (١/ ٣٠٨).
(٢) انظر «الطائفة الكاثوليكية وأثرها على العالم الإسلامي» لمحمد الزيلعي (ص/١٥١).
(٣) انظر «تاريخ أوربا في العصور الوسطى» لسعيد عاشور (ص/٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>