للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثَّاني

مكانةُ علمِ مُشكلِ النُّصوصِ في الشَّريعة

بهذا يتبيَّن بأنَّ علمَ «كشفِ مُشكلِ الحديث» مِن أجَلِّ العلومِ الإسلاميَّة وأخطرِها، وذلك لِمَسِيسِ حاجةِ المسلمين إليه، لكثرةِ بواعِثِه عندهم، وقِلَّة مَن يُتقِنُه، فـ «تضطَرُّ إليه جميعُ الطَّوائف مِن العلماءِ.

وإنَّما يَكمُل للقيامِ به، مَن كان إمامًا جامِعًا لصِناعَتي الحديثِ والفقهِ، غائِصًا على المَعاني الدَّقيقةِ» (١)، قد اصطَفى ربُّنا -تبارك وتعالى- لأُمَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم في كلِّ عصرٍ مَن كانت هذه صِفتُه، ليَذُبُّوا إشكالات العقولِ عن الشَّريعةِ بأحسنِ بيانٍ، ويُزيلوا عَوائقَ الفهمِ عنها بإتقانٍ.

فكان منهم علماءُ فُهَماءُ مِلْءُ السَّمعِ والبَصَر، لم يَزل الحَيارَى يَستنجِدُون بفِقهِهم في هذا البابِ، وإنْ مَرَّ عليهم طولُ زَمانٍ، ليدفعوا به إشْكالاتِ الأذهان، ويُخرِسوا به لجاجَ أهلِ الكُفران، كالشَّافعيِّ في كتابِه «مُختلف الحديث» (٢)، وابنِ قُتيبة في «تأويلِ مُختلفِ الحديث» (٣)، والطَّحاوي في «شرح مُشكل الآثار»، وغيرهم.


(١) «فتح المغيث» للسخاوي (٤/ ٦٦).
(٢) هو من جملة كتاب «الأم» للشافعي، وهو أوَّل من صنَّف فيه، ولم يقصد الاستيعاب، كما قال ابن الصَّلاح والعراقي، انظر «شرح التبصرة والتذكرة» (٢/ ٣٠٢).
(٣) أتى فيه بأشياء حَسَنة، وقصُر باعُه في أشياء لم يُوفِّها حقَّ الجواب، كذا قال ابن الصَّلاح والبُلقيني والعراقي، انظر «فتح المغيث» للسَّخاوي (٤/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>