مثل تلك الاختلافات ونحوها الواقعة بين الرُّواة، قد استطاعَ العلماء -بفضل الله- رصدَها وتحريرَها ببيان وجهِ الصَّواب فيها، وذلك من خلال تَتبُّع بقيَّة نُسَخِ «الصَّحيح»، وسَبْر طُرقِ الرِّوايات، ومَعرفةِ تراجمِ الرُّواةِ لمعرفةِ اللِّقاء، تَرى ذلك -مثلًا- في العَملِ النَّقديِّ الدَّقيقِ الَّذي قَدَّمَه الجيَّاني (ت ٤٩٨ هـ) في كتابه «تَقيِيدِ المُهمَل»، وكذا للقاضي عِياض (ت ٥٤٤ هـ) في هذا جهدٌ مَشكورٌ في «مَشارق الأنوار على صِحاحِ الآثار»؛ وإلى ابن حَجرٍ المُنتهى في ذلك في تقدِمَتِه وشرحِه للبخاريِّ.
وكذا فعل العلماء مع نُسخ «المسند الصَّحيح» لمسلم ضبطًا وتحريرًا، وفي ذلك يقول جمال الدِّين المِزِّي (ت ٧٤٢ هـ): «كتابُ ابنِ ماجَه إنَّما تداوَلَته شيوخٌ لم يَعتنوا به، بخلافِ صَحِيحَيْ البخاريِّ ومسلم، فإنَّ الحُفَّاظ تَدَاوَلوهما، واعتنوا بضبطِهِما وتصحيحِهمِا»(١).
وما نجِدُه من زياداتٍ أو فوائدَ دَوَّنها بعضُ الرُّواةِ مِن مَجالِسَ للبخاريِّ أو غيره، ألحقوها بمَواضِعها المناسبةِ في نُسَخِهم الشَّخصيَّة مِن «الصَّحيح»، ممَّا
(١) نَقَله عنه ابن القيِّم في «زاد المعاد» (١/ ٤٢٠).