للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الثَّامن

موقف العَلمانيِّين العَرب مِن «الصَّحِيحين»

وأثرُ ذلك على السَّاحة الفكريَّة

لم يَكن مَوقفُ هؤلاءِ العَلمانيِّين مِن أصحِّ دِيوانَين للحديثِ بمعزلٍ عن موقفِهم السِّلبيِّ مِن التُّراثِ الإسلاميِّ عمومًا، فهو ضمنَ منظومةٍ واحدةٍ، تعامَلَت مع الآثارِ المَرويَّةِ على حَدٍّ سواء، اعتقدت فيها انعدامَ الدَّليلَ النَّقليِّ الخالص (١).

وكان (أَرَكون) يفسَّر باعثَ إكبارِ المسلمين لهذين الكِتابين تفسيرًا تاريخيًّا، مَفادُه: أنَّ الظُّروفَ السِّياسيَّة، وأوضاعَ المُجتمعاتِ الَّتي انتشَرَ فيها الإسلام، احتاجَت إلى أحاديث جديدةٍ تحاكي مُتغيِّراتها، وتعالج أحكامَها، وتُصارع بها باقي الطَّوائف العَقديَّة، فلأجل ذلك -فقط- تَشَبَّث المسلمون بـ «الصَّحيحين».

يقول: «إنَّ السُّنة كُتِبت مُتأخِّرة بعد موتِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بزمنٍ طويلٍ، وهذا وَلَّد خلافات لم يَتجاوزها المسلمون حتَّى اليوم بين الطَّوائف الثَّلاث: السُّنية، والشِّيعيَّة، والخارجيَّة، وصراع هذه الفرق الثَّلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويُسيطرون عليه، لِما للحديث مِن علاقةٍ بالسُّلطةِ القائمةِ .. وهكذا راح السُّنة يَعترفون بمَجموعتي البخاريِّ ومسلم، المَدعُوَّتين بالصَّحيحين (٢»).


(١) انظر «التُّراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة» لحسن حنفي (ص/٣٧٣).
(٢) «الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد» لمحمد أركون (ص/١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>