للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الثَّاني

انغلاق فهم بعض المُعاصرين عن إدراك وجه المُناسبة

بين تراجمِ البخاريِّ وأحاديثِها سبيل عندهم لتسفيهِه

المُتقرَّر عند مُصَنِّفي الحديثِ شَرطُ صِحَّةِ التَّرجمةِ بتَحَقُّقِ المناسبةِ بينها وبين المُترجَم له (١)، فإنَّ كثيرًا مِمَّن نظر في تراجم أبواب البخاريِّ تَعَسَّر عليهم الرَّبطُ بينها وما انتقاه تحتها مِن أخبار؛ ذلك أنَّ البخاريَّ لم يخُض نفسَ الأساليبِ التَّأليفيَّة، والمناهج الوَضعيَّة الَّتي جَرى عليها المُحدِّثون وقتَه في تصنيفِ العلومِ، بل نحى طريقًا خاصًّا في التَّدوينِ، لم يقتصر فيه على مُجرَّدِ ما يَتبادر مِن النُّصوصِ مِن مَعاني.

فلقد كان البخاريُّ في تراجمِه سَبَّاقَ غاياتٍ، وصاحبَ آياتٍ في وَضعِ تراجمَ لم يُسبَق إليها، لم يَستطع أن يُحاكيه أحَدٌ مِن المتأخِّرين في طريقتها، حتَّى نَبَّه على مسائل مَظانِّ الفقه مِن القرآن، بل أقامَها منه، ودَلَّ على طُرق التَّأنيس منه، وبه يتَّضح ربطُ الفقه والحديث بالقرآن بعضِه ببعض.

فكانت تراجمُه صورةً حَيًّة لاجتهادِه وعَبقريَّته في مَنهجيته (٢)، جامعًا في كتابِه المُباركِ «العِلْمين والخَيْرين الجَمَّين، حازَ كتابُه مِن السُّنةِ جَلالَتها، ومِن


(١) «توضيح الأفكار» للصنعاني (١/ ٤٤).
(٢) «فيض الباري» للكشميري (١/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>