للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الرَّابع

وقوع الاضطراب في إسنادِ حديث، مع ظهور نكارة في متنه سَبيلٌ عند البخاريِّ لردِّه، دون أن يتشاغلَ بترجيحِ إحدَى أوجُه الاضطراب

وهذا مِن توظيفِه للنَّقدِ المتنيِّ في ردِّ الحديثِ، مقابلَ مَن قد يقبل مثل هذه الصُّورة من المُحدِّثين بدَعوى أنَّ تعدُّد الطُّرق تُعطيه قوَّة (١).


(١) مثاله «حديث ردِّ الشَّمس لعليِّ بن أبي طالب ليصليَّ العصر»، قال الإمام أحمد: «لا أصل له» وتبعه ابن الجوزي فأورده في «الموضوعات»، ولكن صحَّحه الطَّحاوي والقاضي عياض، كما في «كشف الخفاء» للعجلوني (ص/٤٩٠).
يقول الجوزقاني في «الأباطيل والمناكير» (١/ ٣١١) نقدًا لمتنِه: «فرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عليٍّ، وكذلك عمر بن الخطاب خير من عليِّ، فلم تُرد الشَّمس لهما، وصلَّيا بعد ما غربت الشَّمس، فكيف رُدَّت الشَّمس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؟!».

وقد أملى أبو القاسم الحسكاني مجلسًا في هذا الحديث فقال: «رُوي ذلك عن أسماء بنت عميس، وعليٍّ، وأبي هريرة، وأبي سعيد بأسانيد متَّصلة»، فتعقَّبه الذَّهبي في تلخيصه لـ «كتاب الموضوعات» (ص/١١٨) قائلًا: «لكنَّها ساقطة ليست بصحيحة، .. ثمَّ نقول: لو رُدَّت لعليٍّ رضي الله عنه لكان بمجرَّد دعاء الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لمَّا غابت خرج وقت العصر، ودخل وقت المغرب، وأفطر الصَّائمون، وصلَّى المسلون المغرب، فلو رُدَّت الشَّمس للزم تخبيط الأمَّة في صومِها وصلاتها، ولم يكن في ردِّها فائدة لعليٍّ رضي الله عنه؛ إذ رجوعها لا يعيد العصر أداءً، ثمَّ هذه الحادثة العظيمة لو وقعت لاشتهرت، وتوفرَّت الهِمم والدَّواعي على نقلِها، إذ هي في نسق العادات جارية مجرى طوفان نوح، وانشقاق القمر».

<<  <  ج: ص:  >  >>