بدايات الزَّحف المُتمعقِل على ساحة المَعارف الشَّرعيَّة
النَّاسُ في رَدِّ الأخبارِ الشَّرعيَّةِ درجاتٌ، تَتفاوت رُتَبُهم في مُفارَقتها، كلُّ درجةٍ يُضيِّق أهلُها من دائرةِ الاحتجاجِ بالوَحي بقدرِ ما نَقُص فيها مِن التَّسليمِ لنصوصها، وبقدرِ ما داخلَ نفوسَها مِن العوارضِ والعوائقِ الفكريَّة الفاسدةِ.
وكثيرًا ما تكون الدَّعاوي العقليَّة هي المُنطلَقَ لأيِّ انحرافٍ عن السُّنة، ذلك أنَّ «كلَّ مَن أصَّل أصلًا لم يُؤصِّله الله ورسولُه، قادَه قسرًا إلى ردِّ السُّنة وتحريفِها عن مَواضِعها»(١)؛ ونتيجةً لذلك، يجدُ أحدُنا بتأمُّله في مَقالاتِ الخَلَفِ المُناوئين لموقفِ الأسلافِ مِن النُّصوصِ الشَّرعيَّة، بدءًا بالمدارسِ الكلاميَّة والفلسفيَّة القديمةِ، وانتهاءً بتفرُّعاتِهم الفكريَّة المُعاصرة بشَتَّى أطيافِها: يجدُ ارتكازَهم في تأسيسِ مَذاهبِهم هذه قائمًا على أصل جامعٍ يَنتظم نظرَتَهم إلى السُّنَن المَنقولةِ، مَصوغًا في تقعيدِهم لـ:«أوَّليةِ العقلِ على النَّقلِ».
فهذه أمُّ شُبهاتِهم في هذا البابِ من تَعارضِ الأدلَّة، تَجري على لسانِ كلِّ مَن نافرَ نصًّا شرعيًّا يُخالف مُقرَّراتِه الفكريَّة أو العَقديَّة، وكلَّما عَظُمَت هذه القاعدة في نفسِه، ضَعُف التَّسليمُ لنصوصِ الشَّريعة في قلبِه.