لم يكن غائبًا عن المُحدِّثين رواية بعض الصَّحابة رضي الله عنهم عن أهل الكتابِ شيئًا من أخبار الأممِ الماضية، فساروا إزاءَ هذه الحقيقةِ على نهجٍ عِلميٍّ صارمٍ يُحيل اختلاطَ شيءٍ من تلك المرويَّاتِ بأخبارِ السُّنةِ، فهم أعلَمُ النَّاس بأنَّ الإسرائيليَّات -ولا سِيما المَكذوبِ والباطل منها- لو وُقِفَ بها عند قائِلها، لكان الأمرُ عندهم محتمِلًا.
لكن الشَّناعة وكِبرُ الإثمِ في أنَّ بعضَ الزَّنادقةِ والوَضَّاعين وضُعَفاءُ الإيمانِ أو الحفظِ قد رَفَعوا هذه الإسرائيليَّات إلى المَعصومِ، ونَسبوها إليه من حكايته! وهنا يكون الضَّرَر الفاحشُ والجناية الكُبرى على الإسلام والتَّجنِّي الآثم على النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ نسبةَ الغَلَط أو الخطأ أو الكذب إلى الرَّاوي -أيًّا كان- أهونُ بكثيرٍ مِن نسبةِ ذلك إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم (١).
ولقد بَلَغ مِن تحوُّطِ أئمَّةِ الحديثِ في صَونِ سُنَّةِ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم أنْ ضبطوا مبحثَ قولِ الصَّحابي الَّذي لا مجالَ للرَّأيِ فيه، فاشترطوا ليُقبَل في حكمِ الرَّفعِ: أن لا يكون قائِلُه مِمَّن عُرِف بالأخذِ عن أهلِ الكتاب؛ ذلك لأنَّ إخبارَه بما لا مجالَ للرَّأي فيه -كالمُغيَّبات ونحوها- يقتضي مُخبِرًا له، وما لا مجالَ للاجتهادِ فيه
(١) «الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير» لمحمد أبو شهبة (ص/٩٤).