تَمَدُّد العَلمانيَّة إلى العالَم الإسلاميِّ وأسبابُه
لقد كان للغَزوِ العسكريِّ الفرنسيِّ والبريطانيِّ للبلدانِ الإسلاميَّةِ الأثرُ البليغ في نقلِ تعاليم العَلمانيَّة الأوربية إلى أروِقةِ حُكمِها، ثمَّ الانتقالِ إلى دعوةِ شعوبِها إلى اعتِناقِها فِكريًّا واجتماعيًّا، عبر بعثاتِ الاستشراقِ ووَسائلِ الإعلامِ الحديثةِ المُتحكَّم فيها آنذاك.
وكان مِن دَهاء جَلَّادِ فرنسا العَسكريِّ «نابوليون بونابارت»، أنَّه مع شحن سُفنه المُتَّجِهة إلى مصرَ بالمَدافع، جَعَل بجنبِها حَيِّزًا للمَطابِع! فجلب معه من بلادِ الإفرنجِ إليها فكرةَ الحضارةِ الغربيَّة مَقروءةً في كلِّ بيتٍ.
ونظرًا لقوَّة أوربا العسكريَّة والاقتصاديَّة، زَحَفت العَلمانيَّة بقوَّةٍ، وانتشرت بين أبناء الإسلامِ سراعًا بين أروقة الحكم ونوادي النُّخَب المُثقَّفة؛ بذا اعتَرَف بعضُ مُفكِّري العَلمانيَّة العَربيَّةِ (١): أنَّ العَلمانيَّة لم تقبلها الأُمَّة في جملتها يومًا بديلًا عن شريعةِ رَبِّها، بل لم تَدخل بلادَهم إلَّا عُنوةً بالحديدِ والنَّار، لا بالفكرِ
(١) منهم المؤرِّخ المصري: محمود إسماعيل، الَّذي أقرَّ بأنَّ العَلمانيَّة جاءت إلى العالم العربيِّ مع الاستعمار الأوروبيِّ على قنطرةِ النَّصارى؛ وبلديُّه الآخر عادل الجندي، الَّذي أكَّد على أنَّ العلمانيَّة لم تدخل قطُّ إلى العالم العربيِّ كجزءٍ من الفكر السِّياسي، وانظر مَقالاتهم وغيرها في كتاب «العلمانية مفاهيم ملتبسة» (ص/٩٣)، و «قدر العلمانية في العالم العربي» (١٢٧) كلاهما للحسن وريغ وأشرف عبد القادر.