عن حديثِ دعاء النَّبي صلى الله عليه وسلم لِمَن آذاه أو لَعنه مِن المسلمين
أمَّا ما أبداه المخالفون من دعوى معارضةِ الحديث لمقامِ النُّبوة، فجوابه:
أنْ لم يحصُل أن سَبَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أو لَعَن أو جَلَد مَن لا يستحقُّ ذلك في ظاهرِ الأمرِ، حاشاه مِن ذلك! فهو المَبعوث رحمةً لهم، وقيامًا بالعدلِ بينهم؛ كلُّ ما في الأمر: أنَّه قد يظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقُ ذلك منه على مَن وَقَع عليه، ويكون في باطنِ الأمرِ غير مُستحقٍّ له، وهذا الظَّاهر مِن قوله صلى الله عليه وسلم:«أيُّما أحدٍ دَعَوتُ عليه مِن أمَّتي بدعوةٍ ليس لها بأهلٍ .. »(١).
وفي تقرير هذه الحقيقة، يقول المازَريُّ:
«المُراد بقولِه: «ليس لها بأهلٍ»: عندك في باطنِ أمرِه، لا على ما يظهر إليه صلى الله عليه وسلم ممَّا تقتضيه حالتُه وجنايتُه حين دعائِه عليه، فكأنَّه صلى الله عليه وسلم يقول: مَن كان باطنُ أمرِه عندكَ أنَّه مِمَّن تَرضى عنه، فاجعَلْ دعوتي عليه الَّتي اقتضاها ما ظَهَر إليَّ مِن مُقتضى حالِه حينئذٍ طهورًا وزكاةً، وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه، وهو صلى الله عليه وسلم مُتعبَّدٌ بالظَّواهر، وحسابُ النَّاس في البواطنِ على الله تعالى.
(١) أخرجه مسلم في (ك: البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة، رقم: ٢٦٠٣).