الجواب عن مُطالبة المُعترضِ بالنُّسخة الأصليَّة لـ «صحيح البخاريِّ» شرطًا لتصحيح نسبتهِ إلى مُصنِّفه
وأمَّا مُطالبةِ المُعترضِ لنُسخةٍ من الكتابِ بخطِّ البخاريِّ لتصِحَّ نِسبتُه إليه، فالجواب عنه مِن وجوه:
الوجه الأوَّل: أنَّ الكتابَ مَعلومٌ بالضَّرورةِ أنَّه تأليفٌ للبخاريِّ، فإنَّ النَّاس تعلمُ بالضَّرورة أنَّ البخاريَّ صَنَّف كتابًا في صِحَاحِ الحديثِ، وأنَّه هذا المَقروءُ المَسموعُ المُتداوَل بينَ النَّاس؛ ولا فرقَ في ذلك بين كِتابي البخاريِّ ومسلمٍ وبين غيرِها مِن سائرِ مُصَنَّفاتِ علماءِ الإسلام، بل كتبُ الحديثِ بالخصوصِ مُختصَّةٌ عنها بصَرفِ العنايةِ مِن العلماءِ إلى سَماعِها وضَبطِها وتَصحِيحِها، وكِتابةُ خُطوطِهم عليها شاهِدٌ لمِن قَرأها بالسَّماع، ناطقةٌ لمِن سَمِعَها بالإذْنِ في رِوايتِها.
وكنَّا قدَّمنا أنَّ البخاريَّ كان يُحدِّث بكتابه، وتَلقَّاه عنه طُلَاّبه سماعًا ومُقابلةً لنُسَخِهم بنُسختِه، فلو افترضنا جدلًا ضياعَ نُسخة البخاريِّ الَّتي بيده، فهذه النُّسَخ تقوم مَقامَها لا شكَّ، فكيف وهي مئات النُّسَخ، وكلُّ نُسخة لها سندها إلى البخاريِّ، وكُلُّها مُتطابقةٌ في الجملة؟!
وهذه الصِّناعة التَّوثيقيَّة البديعة هي ما أيَّس أهلَ الكذبِ والتَّحريفِ مِن الكَذبِ في هذه المُصنَّفات المَسموعَةِ؛ فكما أنَّه لا يُمكِنُ أحدًا أن يُدْخِلَ في «المُدوَّنة» وكُتبِ السَّماعاتِ عن مالكٍ مسألةً في جوازِ المَسحِ على الجَورَبينِ