للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعظِم بها مِن أمانةٍ علميَّةٍ مِن المُحدِّثين في حفظِهم لشكلِ المَنقولِ كما هو، تبعثُ المُستشرِقَ إلى التَّحسُّرِ على ما ضَيَّعه أسلافُه مِن أمانةِ أسفارِهم لو كان مُنصِفًا!

وأمَّا عن الباعثِ إلى تركِ الرَّاوي لهذا الموضعِ بَياضًا دونِ ذكرِ اسمِ المُرادِ مِن الآل: فيقول عنه النَّوَوي: «هذه الكنايةُ بقولِه: (يعني فُلانًا) (١)، هي مِن بعضِ الرُّواة، خَشِيَ أن يُسَمِّيه، فيَتَرتَّب عليه مَفسدةٌ وفتنةٌ، إمَّا في حَقِّ نفسِه، وإمَّا في حَقِّه وحَقِّ غيره، فكنَّى عنه، والغَرَض إنَّما هو قوله صلى الله عليه وسلم: إنما وَلِييَ الله وصالح المؤمنين .. » (٢).

غير أنَّ هذا المُبهَم المُستَتِر وراءَ لفظِة (بياضٍ) قد جَاء ما يُفصِحُ عنه في روايةٍ أخرى جهلها المُستشرق، يقول ابن العربيِّ (ت ٥٤٣ هـ): «بَيَّنها أبو [ذرٍّ] (٣) في «جمعِ الصَّحيحين»، عن شعبة، بالسَّند الصحيح، فقال: «آل أبي طالِبٍ ليسوا إليَّ بأولياء، إنما وَليِّيَ الله وصالح المؤمنين» (٤).


(١) كذلك جاءت في «صحيح مسلم» (ك: الإيمان، باب: موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم، رقم:٢١٥) بلفظ: «ألا إن آل أبي - يعني فلانا - ليسوا لي بأولياء».
(٢) «شرح النووي على مسلم» (٣/ ٨٨).
(٣) قد صُحفت في المطبوع من «أحكام القرآن» إلى (أبو داود)! وأبو ذر: هو عبد بن أحمد الهروي صاحب الراوية المشهورة لـ «الجامع الصحيح»، ولأبي ذر الهروي «المسند المؤلَّف على الصحيحين»، ذكره ابن خير في «فهرسته» (ص/٢٥٤)، فهذا الَّذي عناه ابن العربي، والله أعلم.
(٤) «أحكام القرآن» لابن العربي (٣/ ٤٦١)؛ ولذلك لما شرحَ هذا الإبهام الدَّاودي بقولِه: «المُرادُ بهذا النَّفي: مَن لم يُسْلِم منهم»، علَّق عليه ابن حَجرٍ في «فتح الباري» (١٠/ ٤٢٠، ٤٢٢) بقولِه: «لو تَفَطَّن مَن كَنَّى عن أبي طالبٍ لذلك، لاستغنى عمَّا صَنَع!».

<<  <  ج: ص:  >  >>