للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الثَّاني

دعاوي تسبُّب منهج المُحدِّثين في تَسرُّب المُنكرات إلى كتب التُّراث قديمة

هذا الذي تقدَّم من عَيْبِ المُحْدَثِينَ على المُحدِّثين استغراقَهم في دراسةِ الأسانيدِ دون المتونِ ليس أصيلًا مِن بناتِ أفكارهم، ولا عن جهدٍ في استقراءِ عَملِ المُحدِّثينَ وتأمُّل مُصنَّفاتهم؛ بل هي إشاعةٌ كاذبةٌ قَديمةٌ، تُلقِّفت مِن عَهدِ الصِّراعِ العَقديِّ الدَّائر بين أهلِ السُّنةِ ومُخالِفيهم، ترجع في مُجمَلِها إلى مقالات الجَهْمِيَّة، والَّتي «جَعَلَت جُلَّ همِّها النَّظَرَ في نفسِ الحديثِ، فإنْ راقَها أمرُه حَكَمَت بصحَّتِه، وأسندَته إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في إسناده مَقالٌ .. وإنْ رَاعَهم أمرُه لمخالفتِه لشيءٍ ممَّا يقولون به، وإن كان مَبْنيًّا على مجرَّد الظَّنِ: بادَروا لردِّ الحديثِ! والحكمِ بوضعِه، وعدمِ صِحَّة رفعِه، وإن كان إسنادُه خاليًا عن كلِّ عِلَّة» (١).

مِثلُ هذه النَّظرةِ المُزدريةِ لقَدْرِ المُحدِّثينَ، كانت مَقْنَعًا للفخرِ الرَّازِي (ت ٦٠٦ هـ) -مع وافر عقله- لأَنْ يَدَّعِيَ «بأنَّ جماعةً مِن المَلاحدة وَضعوا أخبارًا مُنكَرة، واحتالوا في ترويجِها على المُحَدِّثين، والمُحَدِّثون لسلامةِ قلوبِهم ما عَرَفوها، بل قَبِلوها .. »!


(١) «توجيه النَّظر» لطاهر الجزائري (١/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>