للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الأوَّل

عبقريَّة البخاريِّ في صناعة «صحيحه»

البخاريُّ مجتهد مُطلق، وفقيهٌ اكتسابًا وتحصيلًا، أوْقَد فيه مَلَكةَ التَّفقُّه عنايتُه الشَّديدةُ بالقرآن، واطِّلاعُه الفسيحُ على السُّنةِ وآثارِ الصَّحابة والتَّابعين، حتَّى أذعنَ لفهمِه علماءُ الحَرَمَينِ، فأقرُّوا له بالإمامةِ والفقه (١).

فهذا شيخُه إسحاق ابن راهُويه (ت ٢٣٨ هـ) إمامُ الفقه والحديث، لم يستنكف أن يُوصي بالبخاريِّ طُلَاّبَه، يحثُّهم عليه بقوله: «اكتبُوا عن هذا الشَّاب، فلو كان في زَمنِ الحسنِ، لاحتاجَ إليه النَّاس، لمعرفتِه بالحديثِ وفقهِه» (٢).

هذه الحِرفة العقليَّة والطَّبعُ الفقهيٍّ في البخاريِّ، اصطَبَغ به كتابُه «الجامع» اصطباغًا ظاهرًا، فاشتهرَ عند المُتمرِّسين بمَعانيِ المَنقولِ أنَّ «فقهَ البخاريِّ في تَراجِمه» (٣)،

كونُه التزَمَ مع انتقاءِ الصِّحاحِ من الأحاديث استنباطَ الفوائدَ الفقهيَّة،


(١) «سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٤٢٥).
(٢) «سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٤٢٥)، و «هُدى السَّاري» لابن حجر (ص/٣٠٧).
(٣) «التوضيح» لابن الملقن (١/ ٨٧)، و «هُدى السَّاري» لابن حجر (ص/١٣).

يقول العَينيُّ: «فقه البخاري في تراجمه، له محملان، أحدهما: أن مسائل الفقه المختارة عنده تظهر من تراجمه، وثانيهما: أن ذكاءه يظهر من تراجمه، والبخاري سابق الغايات في وضع التراجم، فإنه قد تحيرت العقلاء فيها؛ وأسهل التراجم تراجم الترمذي، وتراجم أبي داود أعلى من تراجم الترمذي، واقتفى النسائي في تراجمه أثر شيخه البخاري، وبعض تراجمهما متحدة حرفًا حرفا، .. وما وضع مسلم بنفسه التراجم»؛ «العُرف الشَّذي» للكشميري (١/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>