للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الثَّاني

مَدار النَّقدِ عند المُحدِّثين على المقارنةِ بين الأخبار

إنَّ الحكم الصَّحيحَ على منهجِ المُحدِّثين في نقدِ الأخبارِ فرعٌ عن حُسنِ تَصوُّر هذا العلمِ، واستيعابِ أساساتِه الَّتي قامت عليه، فإذا كان نَقدُ المُعاصرين للأحاديثِ قائمٌ كما يزعمون على ملاحظةِ خِلافها لِما هو أقطعُ منها، فكذلك «مَدار التَّعليلِ عند المُحدِّثين هو على بَيانِ الاختلافِ» (١) بين الرُّواة في أداءِ الأسانيد من جِهة، وبين المتونِ الَّتي تنتهي إليها من جِهة أخرى.

فهي عَمليَّة نقديَّة لا تقوم أصلًا إلَّا على قوَّة ملاحظةِ المُختلِفات، وحُسن التَّرجيحِ بينها باستعمالِ القرائن؛ ومَشهورٌ في تقريرِ هذا النَّظرِ المُقارِن أصلًا للنَّقد، قولُ ابنِ المَدينيِّ: «البابُ إذا لم تُجمع طُرقه، لم يَتبيَّن خطؤُه» (٢).

وإذا كان أوَّلَ مُرتكزاتِ النَّقدِ التَّاريخيِّ الغَّربيِّ: «نقدُ المَصدر» (٣)، وهو الَّذي يَتوجَّه إلى مَصدر الوثيقة ونحوها، للتَّأكُّدِ مِن ضبطِ المصدر لها: فإنَّ المُقرَّر في بدائِه علمِ الحديث، أنَّ ضَبط الأخبارِ شَرطٌ أسَاسٌ لتوثيقِ مَصدرِ الرِّوايةِ -وهو الرَّاوي- ولا يكون ذلك إلَّا بأن يُطمَأنَّ إلى إتقانِه لِما يَرويه حِفظَ صَدرٍ أو حِفظَ


(١) «النكت على ابن الصَّلاح» لابن حجر (٢/ ٧١١).
(٢) «الجامع» للخطيب البغدادي (٢/ ٢١٢)، و «مقدمة ابن الصَّلاح» (ص/٩١).
(٣) انظر «مناهج البحث» لعبد الرحمن بدوي (ص/١٨٨، ١٩٤، ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>