للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتابٍ، عالِمًا بمعنى ما يَروِيه وما يُحيله عن المُراد إن رَوَى بالمعنى (١)، ليَثِقَ المطَّلعُ على روايتِه والمتتبِّعُ لأحواله، بأنَّه أدَّى الأمانة كما تَحمَّلها، لم يُغيِّر مِن حقيقتِها شيئًا، فليس يُسَمَّى ثقةً إلَّا إذا اجتمع فيه شَرْطا العدالةِ والضَّبط (٢).

وهذا الضَّبط هو مَناط التَّفاضل بين الرُّواة الثِّقات في منهج المُحدِّثين، يُتحقَّق من اتِّصاف الرَّاوي به بعَرضِ ما يحدِّث به حِفظًا على ما في كُتبِه إن كان له كتاب، أو بعرضِ روايتِه على رواياتِ الثِّقات الضَّابطين المتقِنين، لمعرفةِ مَدى مُوافقةِ حديثِه لحديثهِم أو مخالفتِه، بل تُعرض روايته على باقي رواياتِه نفسِه (٣)! فإن كثُرَت مخالفته دلَّ على اختلالِ ضبطِه، فلا يُحتج بحديثه، ولا تضرُّه المخالفة النَّادرة (٤).

وفي التَّنويه بهذه المنهجيَّة النَّقديَّة المقارنة، يقول الخطيب البغداديُّ (ت ٤٦٣ هـ): «هذه الأمَّةُ إنَّما تَنصُّ الحديثَ مِن الثِّقة المَعروف في زمانه، المشهور بالصِّدق والأمانة عن مثله، حتَّى تَتَناهى أخبارهم، ثمَّ يبحثون أشدَّ البحث، حتَّى يعرفوا الأحفظَ فالأحفظ، والأضبطَ فالأضبط، والأطولَ مجالسةً لمِن فوقه ممَّن كان أقلَّ مجالسة، ثمَّ يكتبون الحديثَ مِن عشرين وجهًا وأكثر، حتَّى يُهذِّبوه من الغَلط والزَّلل، ويضبطوا حروفَه ويعدُّوه عدًّا» (٥).


(١) انظر «تدريب الرَّاوِي» للسيوطي (١/ ٣٠١).
(٢) انظر «فتح المغيث» للسخاوي (١/ ٢٨).
(٣) وبهذا عللَّ حُذَّاق النُّقاد بعض أحاديث الثِّقاتِ، بكونِها لا تُشبه أحاديثه، وأنَّها أشبهُ بأحاديث بعضِ المَجروحين، وذلك لأنَّهم «لكثرة ممارستهِم للحديث ومعرفتهِم بالرِّجال وأحاديث كلِّ منهم، لهم فَهْم خاصٌّ يفهمون به أنَّ هذا الحديث يُشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، انظر «شرح علل الترمذي» لابن رجب (١/ ٥٥).
(٤) انظر «الرسالة» للشافعي (ص/٣٨٠)، ومقدمة «صحيح مسلم» (١/ ٧)، و «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان» (١/ ١٥٣ - ١٥٥)، ولمزيد معرفة بطرق المُحدِّثين في معرفة ضبط الراوي مع أمثلة ذلك انظر «تحرير علوم الحديث» لعبد الله الجديع (١/ ٢٦١ - ٢٧٢).
(٥) «شرف أصحاب الحديث» (ص/٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>