للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثَّاني

إشكاليَّة الاستشكالِ المُعاصِر للأحاديثِ النَّبويَّة

معلومٌ أنَّ مُهمَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم بيانُ ما نُزِّل إليه من الوحيٍ قولًا وعملًا وتقريرًا، ومِن أشدِّ الآفاتِ الَّتي تَتَعرَّض لها سُنَّته في كلِّ زمانٍ، وفي وقتِنا الرَّاهن على وجه الخصوص: أنْ يقرأ بعضُ النَّاسِ المُتعَجِّلين حَديثًا، يَتَوهَّم له معنًى في نفسِه يُفسِّره به، يُعارض عنده أصولًا قطعيَّةً مُقرَّرة، فيُبادر إلى رَدِّ متنِه وتكذيب نسبتِه إلى المُصطفى صلى الله عليه وسلم، لاشتمالِه على هذا المعنى المَرفوض.

وما كان للبَيانِ أن يُناقِضَ المُبيَّن، ولا للفرعِ أن يُعارضَ الأصلَ، ولكنَّ كثيرًا مِن عَوامِل الثَّقافة المُعاصرةِ، تَستحوذُ على نَظرِ المُسلمِ إلى نصوصِ السُّنة بخاصَّةٍ، فتدفعُه إلى إرجاءِ كثيرٍ منها أو تأويلِه؛ ظنًّا منه أنَّ إثباتَها قد يُفضي بأقوامٍ من المُسلمين إلى التَّشكُّكِ في دينِهم، ويَأُزُّ آخرين من غيرهم إلى الطَّعنِ بصدق الرِّسالة، أو النُّفور مِن الدَّعوة.

أو لكونِه يَرى أنَّ التَّمسُّكِ ببعض تلك النُّصوص الحديثيَّةِ قد يودي بصاحبِها إلى الانحرافِ السُّلوكي أو العَقديِّ.

فانظر -مثلًا- إلى رشيد رِضا (ت ١٣٥٤ هـ)، كيفَ أعذَرَ أحدَ الأطبَّاءِ حَدِيثِي الإسلامِ في طعنِه بحديثٍ راسخٍ في الثُّبوت كحديثِ الذُّبابِ (١)! فتراه يقول: «إنَّ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (ك: بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، رقم: ٣٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>