على خلاف ما يظنُّ كثيرٌ من المُعترضين على المحدِّثين، فإنَّ منهجهم في أصلِه هو كمنهجِ الغَربيِّين مِن جهة النَّظرِ إلى أنَّ الوقائع التَّاريخيَّة الَّتي حَدَثت في زمنِ سابقٍ تَركت وثائق أو شواهد، وأنَّ إثباتها يحتاج إلى تَتبُّع هذه المُخلَّفاتِ، حتَّى الوصول إلى تلك الواقعةِ، في خطٍّ مُعاكس لمسيرة الزَّمن -كما أشرنا إلى هذا سابقًا-؛ فإنَّ المُحدِّثينَ لإثباتِ حَدَثٍ للنَّبي صلى الله عليه وسلم، يجمعون المَنقول في ذلك عن (الرُّواة)، باتِّجاهٍ معاكس لاتِّجاه نقلِ الرِّواية فيهم، فيَبدؤون بالتَّحقُّقِ مِن تحديثِ الرَّاوي الأخير، ثمَّ مِن شيخِه، وهكذا إلى أن يَعلوا إلى الرَّاوي الأوَّل الَّذي رأى أو سمعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم.
لكن ميزة عملِ المحدِّثين على منهج المؤرِّخين الغربيِّين، هي في حُسنِ اختيارِ الأدواتِ المنهجيَّة المناسبةِ لنَقْدِ ما تخصَّصوا بنقدِه؛ كان من أبرزِ تلك الأدوات الَّتي اتَّسم بها منهجهم النَّقدي، أنَّهم حين علموا بأهميَّة الملاحظةِ المباشرةِ مبكِّرًا، لَحَموا بين هذه التَّقطُّعاتِ الواردة في جميعِ التَّواريخ الأخرى، بابتكارِ بديعٍ يَتَمثَّل في «سَلاسل الإسنادِ»، بحيث أنَّ كلَّ راوٍ في هذه السِّلسلة، يعتمدُ على ما نقله عمَّن فوقه مِن ملاحظةٍ مباشرةٍ، ثمَّ مُقارنتِها بغيرها مِن