للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الخامس

دَوْرُ بعض كبارِ كُتَّابِ العَربيَّةِ

في تَفَشِّي تُهمة إغفال المحدِّثين لنقد المتون

لقد ساهم في استشراءِ هذه الشُّبهة في أوساطِ المثقَّفين قامةُ مَن تَصدَّر القولَ بها مِن العلماءِ والمفكِّرين في النِّصفِ الأوَّل مِن القرن الماضي؛ نستحضر منهم -على سبيل المثال- أحمد أمين (ت ١٣٧٣ هـ).

فلَكَم أبدى هذا الرَّجل تحسُّرًا على افتقارِ المُحدِّثين إلى النَّظر الاعتزاليِّ العقلانيِّ إلى المتونِ، فإنَّهم كانوا -بزعمه- «يعنون عِنايةً تامَّةً بالنَّقدِ الخارجيِّ، ولم يُعنوا هذه العنايةَ بالنَّقد الدَّاخلي، .. فقَلَّ أن تظفر منهم بنقدٍ من ناحية أنَّ ما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يتفق والظُّروف التَّاريخيَّة، أو أنَّ الحوادث التَّاريخيَّة تناقضه، أو أنَّ عبارة الحديث نوع من التَّعبير الفلسفي يخالف المألوف من تعبير النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو أنَّ الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه، وهكذا .. فلم نَظْفَر منهم في هذا البابِ بعُشْرِ مِعشار ما عُنوا به في جرحِ الرِّجال وتعديلِهم» (١).

ومِمَّن يعنيهم (أحمد أمين) بهذا المثلبة البخاريُّ؛ فإنَّه على ما يُكنُّه له لمُحاولات نقده للأحاديث مِن تقديرٍ، يراه مِمَّن «يُثبتُ أحاديثَ دَلَّت الحوادث الزَّمنية والمشاهدة والتَّجربة على أنهَّا غير صحيحة» (٢).


(١) «فجر الإسلام» (ص/٢٣٨) بتصرف.
(٢) «فجر الإسلام» (ص/٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>