للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الثَّالث

الباعث للبخاريِّ إلى تقطيعِ الأحاديث وتَكريرِها في «صحيحه»

لقد عُرف البخاريُّ خَصِيبًا في نِتاجه، مُتأنِّيًا في تصانيفه كلِّها، مع الإعدادِ التَّامِّ لمادَّتِها، ومُعاودة النَّظرِ فيها مُراجَعةً وتنقيحًا (١)، فبَلَغ في تنقيحِ «الجامعِ الصَّحيحِ» ذروةَ الكمالِ المُمكِن، وحُقَّت فيه شهادةُ الحاكم أبي أحمد (ت ٣٧٨ هـ): «لو قلتُ أنِّي لم أرَ تصنيفًا يفوق تصنيفَه في المُبالغةِ والحُسنِ، رَجوتُ أن أكون صادقًا في قولي» (٢).

فلمَّا بَشَّر البخاريُّ بإخراجِه النَّاسَ، طبَّقَت شُهرَتُه الآفاق، ولَهجَتْ بمَديحِه ألسِنةُ الحُذَّاق، فتَكاثَر الطَّلبة عليه ما لا يُحصوَن على مَدارِ عُمرِه المُبارَك، فتسَلسَل بهم نقلُه ورِوايتُه، حتَّى بَلغَ عَدُّ مَن سمِع «صحيحَه» الألوف (٣)، «وبَلَغ حَدَّ التَّواترِ في شُهرتِه، وصِحَّة نَقْلِه، ونِسبتِه إلى المؤلِّف، لا يُنكِر ذلك


(١) قد نقل عنه تلميذه ابن أبي حاتم الوراق أنه القائل: «صنفت جميع كتبي ثلاث مرات»، انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٢/ ٤٠٣)، قال ابن الملقِّن في «التوضيح» (١/ ٧٩): «أي أنه ما زال ينقِّحها ويراجعها أكثر من مرة».
(٢) «الأسامي والكنى» لأبي أحمد الحاكم (مخطوط: ق/٢٨٣ ب).
(٣) جاء مجموعهم في عَدِّ الفربري تسعين ألفًا، كما في «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٢/ ٣٢٢)، وجاء في «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» لابن نقطة البغدادي (١/ ١٢٦) و «تهذيب الأسماء واللُّغات» للنووي قوله: «سبعون ألف رجل»، يقول خلدون الأحدب في كتابه «الإمام البخاري وجامعه الصحيح» (ص/٢١٧): «يغلب على الظَّن أنَّه تصحيف».

<<  <  ج: ص:  >  >>