للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الرَّابع

مَوقف الصَّحابة مِن روايةِ الإسرائيليَّات

رواية الصحَّابة رضي الله عنهم عن أهلِ الكتاب قليلٌ جدًّا مُقارنةً بروايةِ التَّابعين وأتباعِهم، وروايتُهم رضي الله عنهم كانت في الأخبارِ والقَصص ونحوِها، لا في العقائدِ والأحكامِ، وهم في ذلك مِن أعلمِ النَّاسِ بتَميِيزِ غَثِّ أخبارِهم مِن سَمينِها (١).

مَثَلُهم في ذلك «كمَثَلِ رَجلٍ أمينٍ، أرادَ أن يُطلِعك على كتابٍ مُؤلَّفٍ بغير لسانِك، فترجَمَه إلى لغةٍ تفهمُها، ليُعرَف ما فيه إنْ صِدقًا، وإنْ كذبًا، والصِّدقُ أو الكذبُ حينئذٍ يُضاف إلى الكتابِ، لا إلى النَّاقلِ، فليس أمثال ابن مسعود، وابن عبَّاس وأبي هريرة، وابن عمرو، بالقاصرين عن تمييز الخبيثِ مِن الطَّيب، حتَّى يُقالَ أنَّ نقلَها إليهم يُشوِّش على أفكارِهم وعقائِدِهم!» (٢).

وما رُوي عن بعضِهم مِمَّا قد يُفهَم منه النَّكيرُ على الرِّوايةِ عن أهل الكتابِ مُطلقًا: فإمَّا ألَّا يكون ثابتًا عنهم مِن جِهة الإسناد (٣)، أو يُحمَل نهيُهم على مَن


(١) انظر بحثا للماجستير في جامعة أم القرى لـ (نور بنت محمد باصمد) بعنوان: «موقف الصحابة من رواية الإسرائيليات في التفسير»، خلصت فيه الباحثة إلى هذه النتيجة من خلال دراسة نماذج من مرويات أكثر من عشرين صحابيًّا للإسرائيليات.
(٢) «الحديث والمحدثون» لمحمد أبو زهو (ص/١٨٦).
(٣) كالأثر الذي يُروى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في امتناعها عن قبول هدية ظنَّتها من عبد الله بن عمرو رضي الله عنه بدعوى أنه يتبع الكُتب الأولى، وهي رواية ساقطة الإسناد، فلا تثبت عنها، وقد أخرجها أبو القاسم الكعبي البلخي (ت ٣١٩ هـ) في «قبول الأخبار» (١/ ١٩٣)، وكان داعية إلى الاعتزال، شديد الحطِّ من أهل السُّنة، له كتاب «الطَّعن على المحدِّثين» اشتمل على الغضِّ من أكابرهم، وتتبُّع مثالبهم، سواء كان ذلك عن صحَّة أم لا، وسواء كان ذلك قادحًا أم غير قادح، وقد كان جعفر المُستغفري لا يستجيز الرِّواية عنه، انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (٧/ ٣٥٥)، و «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ٤٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>