المَطلب الثَّالث دفع المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن حديث «إذا هَلك كِسْرى فلا كِسْرى بعده»
قد سبق التَّنبيه إلى أنَّ مِن مَثارات الغَلط عند المُستشكلينَ للأخبارِ: فَهمُهم للنَّصِ على غير مُراد صاحبِه، بحيث يأخذون بظاهرِ عمومِه مُجرَّدًا دون اعتبارٍ لما يَحتفُّ به مِن قرائن تُوجِب التَّخصيص.
وهذا الحاصل في هذا الحديث، وعليه ابتنَى بعض المُعاصرين إنكارَهم له؛ وكان الفَرض أن ينظروا في ما يحتمله لفظُه مِن أوجُه المعاني، فتُقَرَّ منها ما وافق الشَّرع والعقل، ويُستبعد منها ما يخالف ذلك مخالفةً بيِّنة.
فلأجل هذا؛ لم نرَ أحَدًا مِن أئمَّةِ العلمِ -في القديم أو الحديثِ- يُجرِي هذا الخبر على معنى انقضاءِ مُلكِ الرُّومِ بالمَرَّة بعد هلاكِ هرقلَ، ولا قال أحدٌ منهم بانعدامِ مَن يخلُفه في مَملكتِه بعده، كيف والواقع المُعايَش عندهم خِلاف ذلك؟
والمعتزلة مع كثرة شَغَبهم على أخبارِ الغيبِ، لم يُعلَم عن أحدِهم طَعنٌ في هذا الحديث بخصوصِه، بل ولا أورَدَه الغُماري أبو الفضل في «الفوائد المقصودة» فيما ما شَذَّ مِن أحاديث الصَّحيحين وغيرهما في نظره.
وقد سَلَك العلماء في تفسيرِ هذا الخبر مَسلكَ التَّخصيصِ لدلالتِه، يظهر ذلك في: حملِهم نَفيَ القَيْصَريَّةِ في الحديثِ على انقراضِها عن مَوضعٍ مَخصوصٍ، لا عن وجهِ الأرض كلِّها؛ وكذا الأمر في كِسرى.